9

43.6K 852 9
                                    

الفصل التاسع :


تشنجت قسمات وجهها، وبإنفعال شديد حركت يدها اليسرى عدة مرات، وهي ممسكة بالهاتف في اليد اليمنى ..
ثم وبعد أن نظرت بإحتقان لكل شيء حولها، أردفت بنبرة غاضبة عبر الهاتف بـ :
-براء، معتش تتصل بيا تاني إنت سامعني، ولا كأنك تعرفني خالص..
جاءها الرد عبر الهاتف بنبرة راجية، متوسلة بـ :
-جوري عشان خطري إهدي، وبعدين أنا من إمت كنت بسيبك لوحدك في أي مشكلة وآآآ ..
قاطعته هي بنبرة محتدة بعد أن تصلبت عيناها، وسارت خطوتين في الردهة المجاورة :
-هـه صح دا كان زمان، مكنتش تسيبني وتمشي بس الوقت أنا ولا حاجة بالنسبالك
صمتت قليلًا لتتابع بعدها بإختناق :
-معتش تتصل بيا تاني يا براء
كادت أن تنهي المحادثة بينهم، وبالفعل نزعت الهاتف عن أذنها إلا أنها سمعته يردد بعلو الصوت :
-إستني يا جوري، عشان خطري ماتقفليش..
زفرت هي بنفاذ صبر، بعد أن إحتقنت عينيها، وضمت ذراعها الحرة إلى صدرها، قبل أن ترد بإيجاز قائلة :
-عاوز إيه ؟
وصلها تنهيدته الحارة عبر الهاتف، ثم وبنبرة هادئة قال هو :
-يا حبيبتي إنتي عرفاني كويس، والله كانت ظروف اللي منعتني اجي، أو حتى أتصل ..
-طيب ماشي
قالتها بإقتضاب، وهي تلتفت بعينيها في أرجاء المكان، وتحرك ساقها بإتزان منفعل ...
وحين وصله ردها المقتضب، تابع قائلًا بثبات :
-طيب مش مصدقاني أنا عارف، طيب أنا كدة كدة بكرة ....!!
قبل أن يكمل هو حديثه أغلقت بوجهه !
فهي لن تسامحه بكل تلك البساطة، هذا إن سامحته أصلًا، فلم تكن يومًا الدُمية التي ما إن أرادوا أخذوها وحين يفرغوا منها يلقوها ..
لا لم ولن وسوف لن يحدث هذا أبدًا ماحيِّيَتْ!
نظرت للهاتف بفتور وحزن واضحين، بيِيَّن، على قسماتها ..
وبعد أن سارت عدة خطوات في ردهة المشفى، متجهة إلى غرفة والدها، علت إبتسامة ساخرة وجهها، تسخر من حالها، وما صارت عليه!
أتلك هي حقًا الفتاة القوية، ذات الشخصية المرحة! لا بل تلك ليست إلا ظل بالٍ لها ... ولأول مرة تشعر حقًا أنها يتيمة ...
يتمة بالوحدة المسيطرة على قلبها،
وصلت أخيرًا غرفة والدها وبهدوء فتحت الباب،
ونظرت له نظرات العاجز عن تقديم المزيد، وقد عبَّرت نظراتها لحظتها عن مدى ما تشعر به من وهن وألم الآن ..
دلفت إلى الغرفة ولم تهمل إغلاق الباب خلفها، ثم إقتربت منه إلى أن وقفت على بُعد خطواتٍ من سريره ..
ووقفت تراقبه في هدوء، تراقب أنفاسه المنتظمة، وهدوءه الذي لم تعتده ..
تنهدت بحزن، ثم سارت متجهة إليه، وحين إقتربت منه ... وضعت يدها على رأسه وقبلتها، ثم أمسكت يداه بكلتا يديها ..
وبنبرة حزينة أردفت بـ :
-بابا إنت سامعني ؟
صمتت قليلًا وهي تنظر إلى وجهه، ثم تابعت بإنكسار في قولها :
-أنا عارفة إنك سامعني، يلا بقى فوق عشان خطري، فتح عينك مش قادرة أتحمل كل دة ..
قبلت يده المستكينة بين يديها، وأردفت قائلة بإختناق :
-قوم يلا، دا أنا كنت هموت، ولما العربية قربت مني معرفتش أتحرك، مـ .. مكنتش قادرة أتحرك، لأول مرة يا بابا أحس.. أحس إني اتجمدت مش قادرة أمشي ولا أتحرك ومستنية مصيري المحتوم ...
إبتسمت بتَرَحٍ رغم ما تعانيه وأكملت قائلة :
-على فكرة ماما زارتني في الحلم امبارح، وقالتلي إنها مش حاسة بالوحدة وفرحانة، يعني بالمختصر هي مش عاوزاك، أنا بس إللي .. إللي عاوزاك ..

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن