البخل والبخلاء وما جاء عنهم

463 66 17
                                    

البخل داء فتاك كم فرق بين أحباب ، وأغلق بيوتاً ، وهدم أسراً، ودمر مجتمعات، وزرع الحقد والغل في الصدور، فتقطعت الأواصر، وانصرمت الوشائج،
وقام على أساسه سوق الحسد والبغض، وهو من أدوء الأدواء وأخبثها،
يشعر بأن صاحبه لا يثق في الله تعالى ، فهو دائماً يسيء الظن بخالقه ،
ويحسب أنه لن يرزقه، ولن يكرمه..
وقررت أن أجمع لكم بعضا من قصص البخلاء التي اتمنى ان تنال اعجابكم.

يحكى أن أحدهم نزل ضيفاً على صديق له من البخلاء وما أن وصل الضيف حتى نادى البخيل ابنه
وقال له : يا ولد عندنا ضيف عزيز على قلبي فاذهب واشترى لنا نصف كيلو لحم من أحسن لحم
ذهب الولد وبعد مدة عاد ولم يشترى شيئاً
فسأله أبوه : أين اللحم !!
فقال الولد : ذهبت إلى الجزار وقلت له : أعطنا أحسن ما عندك من لحم
فقال الجزار : سأعطيك لحماً كأنه الزبد
قلت لنفسي إذا كان كذلك فلماذا لاأشتري الزبد بدل اللحم .. فذهبت إلى البقال
وقلت له : أعطنا أحسن ما عندك من الزبد
فقال: أعطيك زبداً كأنه الدبس
فقلت : إذا كان الأمر كذلك فالأفضل أن أشتري الدبس .. فذهبت إلى بائع الدبس
وقلت: أعطنا أحسن ما عندك من الدبس
فقال الرجل: أعطيك دبساً كأنه الماء الصافي
فقلت لنفسي : إذا كان الأمر كذلك .. فعندنا ماء صافٍ في البيت
وهكذا عدت دون أن أشتري شيئاً
قال الأب : يالك من صبي شاطر .. ولكن فاتك شيء
لقد استهلكت حذاءك بالجري من دكانٍ إلى دكان
فأجاب الابن لا يا أبي .. أنا لبست حذاء الضيف

قال رجل من البخلاء لأولاده : اشتروا لي لحماً ، فاشتروا ، فأمر بطبخة ، فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبق في يده إلا عظمة وعيون أولاده ترمقه ، قال : لن أعطي أحداً منكم هذه العظمة حتى يحسن وصف أكلها ، فقال ولده الأكبر : أشمها يا أبت وأمصها حتى لا ادع للذر فيها مقيلا ً ، قال : لست بصاحبها ، فقال الأوسط : ألوكها يا أبت وألحسها حتى لا يدرى أحد لعام هي أم لعامين ، قال لست بصاحبها ! فقال الأصغر : أنا يا أبت أمصها ثم أدقها وأسفها فقال الأب صاحبها وهي لك زادك الله معرفة وحزما..

وقف سائل على باب احد البيوت وسأل شيئا، فأجابه أهل البيت: يفتح الله عليك.
فقال: كسرة، أي كسرة خبز.
قالوا: ما نقدر عليها.
قال: فقليل من بر او فول أو شعير.
قالوا: لا نقدر عليه.
قال: فقطعة خبز أو قليل من زيت أو لبن.
قالوا: لا نجده.
قال: فشربة ماء؟!
قالوا: وليس عندنا ماء.
قال: فما جلوسكم ها هنا؟! قوموا فأنتم أحق مني بالسؤال.

في يوم مر أحد التجار الرحالة على احدى المدن وقد كانت هذه المدينة مشهورة آنذاك بالبخل الشديد وعندما وصل التاجر الى هذه المدينة في يوم صيف حار جدا اضطر الى طرق الابواب ليطلب منهم بعض الماء او الأكل وكان يعلم بأنهم لن يعطوه شيئاً ولكنه مرغم على ذلك فلم يلبي احد طلبه وكانوا ينهروه ويطردوه حتى وصل الي احدى البيوت وطرق الباب فخرجت اليه جارية وقال لها انا جدا ظمآن فهلا سقيتني جرعة ماء ؟ فأجابته بأن ينتظر قليلا
فخرجت عليه بعد برهة ومعها آنية كبيرة مملؤة باللبن البارد وقدمتها اليه
فلم يصدق هذا الرجال مارأته عيناه فأخذ يشرب بسرعة فائقة حتى ارتوى.
فقال لها : لقد ظلموكم الناس حين قالوا ان مدينتكم مدينة البخلاء ؟
فقالت له : كذلك نحن , والله لولا إن الفأر سقطت وماتت في هذ اللبن ماسقيناك إياه أبدا !!!

يحكى أنه كان ببغداد تاجر غني جدا يدعى بأبي القاسم الطنبوري وكان يتصف بالبخل الشديد على الرغم من غناه، وله حذاء لم يبرح قدميه أبد السنين والأعوام ، لدرجة أنه كلما انقطع منه موضع جعل عليه رقعة فصار ثقيلا جدا ، حتى أصبح مضرب الأمثال عند عامة الناس وخاصتهم فيقال : أثقل من مداس ( حذاء ) أبي القاسم الطنبوري .
دخل مرة سوق الزجاج فاستوقفه سمسار وقال له : يا أبا القاسم ، قد وصل تاجر من حلب ، ومعه قوارير من زجاج مذهّب قد كسد ، فابتعها منه ، وأنا علي بيعها بمكسب مضاعف فتربح الخير الوفير وآخذ أجرة سمسرتي ، فابتاعها بستين دينارا .
ثم دخل سوق العطارين ، فقصده سمسار آخر وقال له : يا أبا القاسم ، لقد ورد علينا تاجر يبيع ماء ورد في غاية الحسن والرخص ، فابتعه منه وأنا أبيعه لك بربح كبير ، فابتاعه منه بستين دينارا أخرى ، ثم جعل ماء الورد في القوارير الزجاجية المذهبة ، ووضعها على أحد رفوف المنزل حتى يتفق مع السماسرة لاحقا .
ثم دخل الحمام ليغتسل ، فقال له بعض أصدقائه : يا أبا القاسم ، أتمنى أن تغير حذاءك فإنه في غاية السوء والوحاشة ، وأنت ذو مال ! ، فقال : السمع والطاعة .
ولما خرج من الحمام ولبس ثيابه ، وجد إلى جانب حذائه حذاء جديدا ، فلبسه ومضى إلى بيته . وتزامن ذلك مع وجود القاضي بالحمام كذلك ، فلما خرج لم يجد حذاءه ، فقال : هذا الذي لبس حذائي ، ألم يترك عوضه شيئا ؟ . فوجدوا حذاء أبي القاسم لأنه معروف ، فالتحقوا ببيته فوجدوا حذاء القاضي عنده ، فعوقب بالضرب والسجن مع تغريمه .
وبدأت حوادث الحذاء المنحوس !
لما خرج أبو القاسم الطنبوري من السجن أخذ حذاءه وألقاه في نهر دجلة فغاص في الماء . وحدث يومها أن بعض الصيادين رمى بشبكته فطلع فيها الحذاء فقال : هذا حذاء أبي القاسم ، والظاهر أنه سقط منه . فحمله إلى بيت أبي القاسم فلم يجده ، فرماه من نافذة بيته المفتوحة ، فسقط على الرف الذي عليه القوارير ، فانسكب ماء الورد وانكسرت القوارير .
فلما رأى أبو القاسم ذلك لطم على وجهه وصاح : وافقراه أفقرني هذا الحذاء! . ثم قام يحفر له في الليل حفرة ، فسمع الجيران حس الحفر فظنوا أنه ينقب على حائطهم ، فشكوه إلى الوالي فأرسل إليه من اعتقله ، وقال له : ‘ تنقب على الناس حائطهم ! اسجنوه ‘ ، ففعلوا فلم يخرج من السجن إلى أن دفع غرامة مالية كبيرة .
فأخذ حذاءه المنحوس ورماه بجانب مرحاض عمومي للمسافرين ، فسد فجوة به نتج عنها تسرب للمياه وضياعها وانبعاث روائح كريهة منها . فلما وقف الصناع على موضع الفجوة وجدوا حذاء أبي القاسم فحملوه إلى الوالي وحكوا له ما وقع ، فحكم عليه بدفع غرامة مالية ، فقال وهو في قمة اليأس : ما بقيت أفارق هذا المداس .
حذاء عنيد لا يفارق صاحبه !
فغسل حذاءه وجعله على السطح حتى يجف ، فرآه كلب ظنه عظمة كبيرة ، فحمله وعبر به إلى سطح آخر فسقط على امرأة حامل فارتجفت وأسقطت ولدا ذكرا . فنظروا ما السبب فإذا حذاء أبي القاسم .
فتم رفع أمره إلى القاضي فقال : يجب عليه غرمه ، فابتاع لهم غلاما وخرج وقد افتقر ولم يبق معه شيء . فأخذ الحذاء وجاء به إلى القاضي ، وحكى له جميع ما وقع له من مصائب مع حذائه المنحوس ، وقال : أترجاك مولانا القاضي أن تكتب بيني وبين هذا الحذاء مبارأة بأنه ليس مني ولست منه ، وأنا بريء منه ، ومهما فعله يؤاخذ به ويلزمه فقد أفقرني..
فضحك القاضي ، وتعجب من قصته ، وأمر له بمال ، وانتشرت قصة حذاء الطنبوري بين الناس ، فأكسبه على نحسه شهرة كبيرة.

كلمات عربية شبه منقرضةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن