بعد عشر دقائق كانت عائلة رضوان جميعها على مائدة الإفطار ما عدا تالين وكريم فهمست سيّدة وقورة بملامِح هادئة ترتدي ثوباً كلاسيكيّاً بأكمام طويلة ولون ابيض ناصِع يتناقضُ مع لون شعرِها الفاِحم بالرغم من خُصلات الشيب التي تتخللهُ بخجل بينما عيناها الفيروزيّتين تنبِضان بالحنان والرِقّة، همست بقلق:
- اين هي تالين اليوم؟ ليس بعادتها ان تتأخر الى هذا الوقت.

همس كنان بإبتِسامة مُجيباً على تساؤل والدته بمكر:
- لن تأتي الأن؛ فكريم عاد قبل ساعات قليلة.
إحمرّ خدّي والدتهُ هامِسة بسعادة:
- حقّاً؟ لماذا لم ينتظِر الى ان يحلّ الصباح ويأتي، ولماذا لم يُخبِرنا بقدومه؟.
اجاب كِنان قائلاً:
- إبنكِ هذا اصبح مُتسيّباً عن عمله، فمن المُفترض ان يعود بعد إسبوعين ولكنّهُ عاد مُسرِعاً لأجل ...
- زوجتي حبيبتي

اجاب كريم الذي دلف برفقة تالين التي بدت كوردة في مطلع الربيع بثوبِها الزهريّ القصير الناعِم المُشابه لغيمة الحُبّ التي كانت بها قبل قليل وقد بدى وجهها مُتوهِجاً بتورُدٍ جميل و قد هال كِنان منظر زوجة اخيه التي اقسم بالأمس انها على وشك السقوط من الشحوب والحُزن الذي خطّ ملامِحها الطفولية، اما الأن فقد بدت كمنّ دبّت الروح في جسده بعد ان كان على وشكل الإحتِضار .

احنت تالين وجهها بخجل واعيُن الجميع مُسلطة عليها وكريم الذي هتف بسعادة:
- اتيتُ باكِراً لأجل زوجتي الحُلوة فقد إفتقدتها كثيراً، وإقترب مِن والدته ليُقبّل جبينها هامِساً بحُب:
- وبالطبع لأجل اميرتنا اسمهان الحُلوة.
إحتضت اسمهان ابنها بحنان و هتفت بنبرة اموميّة حانية:
- إجلس بجانبي يا بُنيّ، هيا لتتناول إفطارك، تبدوا شاحِباً من فرط الجوع.

جلس كريم و بجانبه تالين الصامِتة بخجل يكاد يُفجِرُ وجهها مِن الإحمِرار غير مُصدّقة لساعات السِحر التي قضتها برفقة زوجها الحبيب وقد تسلّلت اليها رغبةً انانيّة بالإحتِفاظ به بعيداً عن صخب العمل والعائلة ليبقى لها وحدها دون غيرها .

قبل ان يُغادر الجميع لأعمالهم نقر الجدّ بشوكته على حافّة كأس البُرتُقال الذي يرتشِفهُ عادةً صباحاً فإلتفت الجميع اليه ليُلقي نظرة سريعة على افراد عائلته الكبيرة، على يمينه حفيده كِنان ووالدته -السيّدة اسمهان- و على يساره إبنيه عماد وزوجته إيناس و ايمن و زوجته جلنار. وبقيّة الأحفاد الذين يُشكِلون جمعاً دافئاً يجلسون حوله يُطالِعونه بإحتِرامٍ مغروس بأصغرهم قبل اكبرهم. وبالرغم من سعادته بتكوين عائلة قويّة مُتماسِكة الاّ انّ شعوراً مريراً يجتاح فؤاده مؤخرا، لِما تسبّب به احد ابنائه سهواً ولكنّهُ الآن يدفع ثمنه عنه .

زفر بإرتِجاف و قال بصوته الصارِم:
- اُريدُكم جميعاً في المساء، إلغوا اعمالكم و تفرغوا لنتناول العشاء سويّاً فهُناك امر مُهِم عليكم معرِفته وثمّة قوانين جديدة ستُخرج في هذا الإجتِماع .
زفر أحد الأحفاد بملل وهو الأكثر تمرُداً على قوانين العائلة و إختلافهُ عنهم يظهر جليّاً بمظهره الشبابيّ الثائر بشعره البُنّي المُجعّد بكثافة و ثيابه المكوّنة من الجينز المُمزّق الذي ظهر بكثرة في هذه الأيام إضافةً الى سُترة صفراء فاقِعة ليبدوا كأحد مُتشرديّ المدينة.

سُكّر غامِقजहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें