18 | ماذا يُخفي؟

3K 349 83
                                    




داعبت أناملها قطرات المياه النقيّة الباردة، مُتدفقةً من نافورةٍ عتيقةٍ ذات شكل حسناء مجهولة، سكنها العُشب مُرتاحاً عند أطرافها. تراقب راقبت مع أُنسِ الصمتِ والسكينة تراقص قطراتها تحت بريق قمر المساء المُنعكس عليها، كما ترقب وجهها الذي لم تراه من مدة. كان شعرها في حالٍ يُرثى لها، ما كانت مُعتادة على تركه لأسبوع تقريباً حتى تتذكر غسله وتنظيفه، لم يكتفي التغيير الجلل الذي حصل بتغيير نفسها بل وحتى عاداتها، كان مُتشابكاً كأنه مكنسة مُهترئة من كثرة الاستخدام ! حرّكت يديه لتجمعه في ضفيرةٍ واحدة، لم تكن مُتناسقة مستوية لكنها أحسّت بالراحة لتخلصها من بعثرته فتركتها وعادت ترقب وجهها. كان شاحباً. " حسناً، تأثر أيضاً نظامي الغذائي، وقد مرّ شهرٌ بالفعل ولم أستعده أو أقترب حتى من ذلك، لذا فأظنها نتيجةً متوقعة. لا بأس، سأكون بخير حتى مع ذلك لفترةٍ على ما أعتقد. " حادثت نفسها.

-" مرحباً. " قطع تدفق أفكارها، والجو الهادئ المُريح حولها، صوتٌ معروف. أدارت رأسها، كان كايرو، حاملاً بيده موزةً يُناولها إليها رغم أن عينيه من الأرض. " إنها تعبيرٌ عن أسفي. " تمتم. التقطتها مُبتسمة، ثم قالت:" مع هكذا هبة، يستحيل أن أرفض الاعتذار. من أين حصلت عليها بهذا الوقت المتأخر؟ "

-" بائعٌ متجول، لكن السؤال الأصح، ماذا تفعلين جالسةً هناك؟ متخطية حدود الاقتراب لنافورة مياه مقدسة بمنتصف الليل؟ "

وقفت تلقائياً مُستغربة، ومُتسائلة:" أهذه نافورةٌ مُقدسّة؟ ثم أهناك حدود للاقتراب من نافورة؟! كومين بالفعل غريبة ! " عادت للجلوس بأيّ حال، أضافت:" ما الذي كنت تفعله طوال اليوم؟ أبحث عنك منذ الظهيرة بكل مكان، ولم أجدك ما دفعني للاستغراب؛ فقد ظننتُ أنك ستصل قبلي مع امتلاكك نظّراتك العجيبة التي قد تُعينك على لمح البلدة ولو عن بعد. " لم تسأل عن كيف وجدها، إذ سبق واتفقا على محاولة الالتقاء عند أبرز معلم بالمنطقة التي هم بها، في حالة افترقا لأيّ سبب.

تنهد. " كان يوماً طويلاً. لا أريد تذكر أيٍّ من تفاصيله. كم أنا سعيدٌ لرؤيتي القمر عالياً هناك؛ فهو يعني أن هذا اليوم انتهى أخيراً. " بدا كما لو أنه عانى أكثر منها هي التي كانت مُختطفة من قِبل قُطاع طرق مغفلين. " وبذكر بذلك، لنذهب لوسط المدينة الآن، أشعر بالتعب، علّنا قد نجد نُزلاً ما يستقبلنا .. "

شرعت في تقشير موزتها، مُعلقة:" لا لن نجد، بمجرد بلوغ الساعة العاشرة؛ أغلقت كل المحال وحتى البيوت، ويبدو أن هناك قانوناً ما يسري هنا يقتضي بوجوب ذلك. " وحقيقة هي لم تكن تهتم، سواء نامت بالعراء أم لا، فلن تكون هذه بمرتها الأولى .رغم أن البرد الآن يُشكل مصدر إزعاجٍ كبير.

رمى حقيبته أرضاً قُربها، لملم القليل من الماء بكفيّه بلل به وجهه علّه يستفيق قليلاً وإن لم يُرد، ثم جلس على الأرض الباردة متكأً على النافورة، يتأمل السماء مُفكراً. ناولته إليس نصف الموزة، قائلةً بينما تأكل نصفها:" لا يُجب أن نهمل غذائنا من الآن فصاعداً؛ لا يقوم الشخص بعملية انتقام عملاقة بجسدٍ بالٍ ضعيف بعد كل شيء. "

عرش الساحرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن