الدعوة و الزيارة

78 4 3
                                    

وفي الغد سافر رامز الى مدينته و جلست ايميلي في غرفتها كعادتها حتى دخل اليها اباها فقال لها :" يا بنيتي اني دعوة جارنا هذا المساء الى العشاء فاني وجدت فيه كثرة ذكائه و سعة علمه بالنباتات و لقيت فيه اخلاق راقية و هذا ما حببه الي ، و انزله في نفسي المنزلة العاليا ، لذلك دعوته الى العشاء لتكون هذه الدعوة فاتحة للصداقة التي بيننا ، فاعدي له الطعام ، و اعلمي بانك ستغنين في هذه الليلة فقد وعدته بذلك " ثم نزل الى الحديقة و تركها حتى بدات الشمس بالمغيب  فدخل  الى البيت و جلس الى نافذته ينتظر قدوم فادي ، و بقي على حاله مدة قصيرة حتى راى فادي يعدو نحو باب الحديقة و بيده رسالة . فنادى على ابنته :" ايميلي ، تعالي فاني ارى جارنا قد حيل بينه و بين الوفاء بوعده فلقد رايته يجري نحو باب الحديقة  و قد سلك الطريق التي لا ينتهي  فيها السائر الى غرض الا بعد عشرة اميال ، فقالت : ربما قد ظهر له عذر او شغل ما كان يقدره في نفسه ، فلا بد ان ننتظر عودته  ؛ ثم جلسا صامتين ، فهذا يدخن لفافته و الاخرى تخيط ثوبها ، حتى مرت ساعات فعلما انه لن يعود ، فقاما للعشاء ثم الى المنام و قبل ان يناما جلس تيم الى ابنه فنظرا الى السماء و النجوم ، فقال الاب : اظن ان السماء ستمطرنا هذه الليلة مطرا تروي به الارض الظامئة ، و يملا هذه البقاع الجرداء ، فما اجمل المطر و ما اجمل الربيع و ما اجمل ارضه فقالت :" ولا تنسى يا ابت ان كثيرا من الناس تحت هذا المطر و هذا الليل يعانون من البرد و من تدفق الغيوث فوق رؤوسهم ، ان الشقاء كامن لهم في كل شئ " فاكتاب تيم و قال :"نعم يا اميلي انهم اشقياء بؤساء و لعل فادي واحد منهم فقد مر نصف الليل و لم يعد  فاخذت هذه الكلمة مكانها في نفس ايميلي و اخذت كتابها وصارت تقلب الصحف دون ان تقرأها ، وانهما كذلك حتى سمعا الباب يدق فاضطربت ايميلي و دهش تيم  فاتت الخادمة و فتحت الباب و اذا  به فادي  دخل و هو يقول :" اعتذر يا سيدي فانا لم اقصد انني لم اف بوعدي لك  و انما وصلتني رسالة من اخي يطلبني فيها في اقرب وقت فهو ذاهب الى الحرب فطلب مني ان التقيه على الحدود فذهبت اليه بكل  ما اتيت بقوة فنسيت  ان اعتذر لك فمشيت عشر اميال ولم احس بهم ابدا حتى وصلت اليه فودعته وداعا جامعا بين الفرح و الحزن ، فالفرح نتيجة لرأيتي له فرحا برحلته و يغني اغاني الحرب مرة و يلاعب فرسه مرة اخرى و اما الحزن فهو خوفي عليه من الموت فابقى وحيدا غريبا منفردا . فلا اجد بين هذه القلوب قلبا يحزن لحزني و هنا سقطت دمعة على عينيه كادت تبكي لها ايميلي ، لكنها لم تفعل خجلا و حياء  و كانت تلقي عليه نظرة عطف و رحمة من غير ان يشعر فكانت كلما نظر اليها غيرت زاوية النظر الى الكتاب فقال تيم :" لا تزعج نفسك يا بني فالله ارحم بك من اخيك و ارحم باخيك من نفسه ، ثم اخذ بيده الى مائدة الشاي وبدأ يتحدثان عن الشاي و مغرسه و منبته و طريقة طيه و انواعه و الوانه و كل شئ يتعلق ب الشاي و كان فادي يرد على كل الاسئلة  و بقي تيم يتكلم في ذلك ظنا بان فادي حاضر معه لكن فادي عقله كله مع ايميلي و نظره تارة مع تيم و تارة مع ايميلي . ثم طلب تيم من ابنته ان تغني فاخذت تغني فكل كلمة تقولها تاخذ مكانا في قلب فادي و تحيط بعواطفه و مشاعره ، فبدا يحس ان الارض غيرت و غيرت بغير الارض و السماء فخاف ان يمتد به الشوق فهم بالرحيل فمشى معه تيم و قال له :" زرنا يا فادي كلما بدا لك ان تفعل" فانصرف فادي بقلب غير قلبه و عقل غير عقله ، وحال بين جنبيه غريبة لا عهد له بمثلها من قبل

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Mar 12, 2016 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

ايميلي بين احضان الطبيعةWhere stories live. Discover now