خواطر مسخ

5 1 0
                                        

السيجارة الأولى،
الثانية بعد منتصف الليل في شرفة المنزل، الجميع نائم إلا ثلة عاملة وثلة سافلة وكلب يعوي كل حين، وسافل بغيض يعلو من بيته صوت أغنية حمقاء مثله، لا أرجو هدوءً فداخل رأسي ضوضاء أعلى من كل هذا، أسمع أناس يتحادثون ينفعلون فأنفعل معهم وأجد نفسي فجأة وسطهم، أراهم وأحادثهم وأتشاجر معهم، لكني في نفس المكان.
أخفض صوت رأسي وأنظر حولي، العالم ليس كما في رأسي، الغرفة مظلمة أخي نائم الأوراق منثورة السرير مبعثر، الجو هادئ، من أين أتى مديري أمامي يحادثني عن أدائي؟ وكيف أصبحت على المقهي مع صديقي نتناقش، من أتى بتلك العاهرة مرة أخرى أمامي؟ وحده قطي أعرف أنه حقيقي نظرًا لعيناه المرتعبة من وقفتي في وسط الغرفة.
وحدي في الشرفة محني الرأس أدخن عاري الصدر، أكره البرد أكثر من نتنياهو، يجمدني لا مجازًا بل حقيقة، وليالي ديسمبر صعبة، لكني أعانده وأواجهه، من غيري يستحق المعاناة؟

سماء رمادية بفعل الغيوم المتقطعة، قمر يعكس الضوء عليهم فتظهر حركتهم بفعل الهواء، أقيس سرعة الغيوم بالنسبة لسرعة الدخان، دخاني أسرع، ليتني أحلق مع الدخان.

السيجارة الثانية،
لم أرَ عائلتي منذ مدة، ونحن نعيش في نفس البيت، لكني ألمحهم مصادفة كل يومين مرة، إما وأنا أنهي شيئًا أو وأنا أتجهز للنزول، أتجاهل السلام وأشعر بالندم من تقصيري فأقبل رأس أمي سريعًا قبل أن أغيب عنها أسبوعًا، كل لحظة تراني فيها تخبرني أنها تشتاق إلي، لكني لا أملك ردًا، هل ما أفعله صحيح؟ العمل والدراسة والسعي؟ لكني خسرت الأهل والأصدقاء والرفاهية.

الأهل،
لا أرى أهلي وكلما سنحت الفرصة أسألهم أسئلة عشوائية عن حياتهم وأمازحهم، لكني صدقًا لا أعلم عنهم شيئًا، أدخل البيت كأب مصري أصيل مغترب معي بعض الحلوى أتركها على الطاولة فأتفاجئ بعلبة دواء جديدة، تستيقظ أمي على صوت دخولي فتكافح لتلقي السلام علي، تسألني بصوت ناعس (ازيك) فأرد بصوتي الجاف الذي أواريه بلهجة ريفية ساخرة (أحسن من أي حد) فتدعو لي بدوام الحال فأرتعب من فكرة استمراره، ثم تتبع الدعاء بسؤال آخر (إزّي أمك) فأحاول المزاح بأن لا أم لي وأني مولود شيطاني، تقصم ظهري بآخر جملة لها قبل أن تعود للنوم (خليك كدا مش بتسأل على أمك ولا فارق معاك حالها إذا كانت تعبانة)، فتسيل مني الدماء وتنصهر عظامي، أكافح لأبتلع ريقي وأرد بهيبة المخضرم مخفيًا أي أثر لما قالته (جبتلك عصير).
تشربه وتنام.

السيجارة الثالثة،
منذ شهور وبحكم تغير مواعيد عملي وانشغالي ونومي المفاجئ تفوتني الصلوات فأؤدي ما فاتني داعيًا بأن ينطبق علي حكم من غلبه النوم، يأسرني النوم حتى إن سمعت الآذان، أقسم أني أكره هذا الوضع لكني نكثت عهد الصلاة، حتى وإن كان عذري هو قلة النوم.
لهذا هجرني الخشوع، فأصبحت الصلاة ثقيلة وورد القرآن فرض، أشعر بالتقصير تجاه الأشياء التي يجب أن تريحني، وأشعر بالحرج بعدما كافحت لأصلي في وسط المدرسة ثم المحاضرات ثم العمل، والآن أكافح لأصلي خمس فروض في وقتها ولا علم لي كيف أفعلها وسط كل هذا.
فأصبحت العبادة عبءً، حتى أني أجلت أداء ما فاتني من الصلوات حين استيقظت وارتميت على كرسي لأرتاح رغم أني لتوي اسيتقظت من نوم طال.
مازحت أخي فتضايق مني وتبعته أمي في الشعور، قلت بصوت مسموع: لا يهم، ساعتان وأذهب لأغيب عنهم أسبوعًا آخر.

Você leu todos os capítulos publicados.

⏰ Última atualização: Dec 01 ⏰

Adicione esta história à sua Biblioteca e seja notificado quando novos capítulos chegarem!

أنا والدخان Onde histórias criam vida. Descubra agora