هي نسيته وسافرت، فلماذا لا ينسى هو أيضًا؟
لكنه لم ينساها... فقط خبّأها في مكانٍ بعيد داخل قلبه، المكان نفسه اللي كان يقول له كل يوم ما انتهى شي... أنت بس قاعد تحاول تقتنع.
بعد فترة وجيزة، عاد ضاري إلى الوطن، تاركًا ابنته تُكمل رحلتها الدراسية بثقة قلب الأب الذي رأى كل شيء بعينه... اطمأن على سكنها، على بيئتها، على الجامعة، حتى على أقرب بقالة تمرّ بها.
استودعها الله، وغادر... حاملاً بين أضلعه شيئًا من القلق، وكثيرًا من الفخر.
-
الآن... في الوقت الحاضر.
دخلت نبراس إلى سكنها بخطوات مثقلة بالتعب.
اليوم كان مرهقًا من بدايته، لكن ما زاد ثقله أكثر هو ذلك الاختبار المفاجئ.
أول اختبار لها... لا تدري من أين ظهر، اختبار للغة الإنجليزية رغم أنها سبق واجتازت اختبار "الستيب" وأحضرت جميع الشهادات المطلوبة للقبول.
لكن الجامعة كان لها رأي مختلف، اختبار خاص بها... نظام جديد، سياسات مختلفة، تفاصيل لم تُخبرها بها أي من الأوراق.
خلعت معطفها الثقيل، وسحبته عن كتفيها ببطء، ثم ألقت به على طرف السرير.
فتحت هاتفها على صوت رنين، اسم "تُوق" يلمع على الشاشة، لم تتردّد لحظة...
فتحت الخط، ثم أبعدت الهاتف قليلًا وثبّتته على طاولة مكتبها، قبل أن تبدأ بترتيب بعض الأغراض المتناثرة، تحت أنظار تُوق التي كانت تراقبها عبر الشاشة بابتسامة دافئة.
جاء صوت تُوق ناعمًا، كأن فيه ملامسة حنونة تعبُر المسافة بينهما: وجهك تعبان...
ضحكت نبراس وهي تفتح أحد الأدراج: ما توقعت يكون كذا ضغط تخيلي مسوين لي اختبار مُفاجع عشان يختبرون لغتي ما اعرف ليه ما سووه من اول يوم جيت
ضحكت على تعليقها: اختبار؟ اي اختبار؟ ما قلتي لهم انك اختبرتي ستيب.
اردفت بإحباط شديد: ايي بس الجامعة عندهم نظام خاص، وشكله بس تطبق عليّ...
وقفت نبراس قليلًا، أراحت يديها على خاصرتها، ثم أمالت رأسها نحو الشاشة: وش صار على زواجك؟ جهزتي
وقفت نبراس قليلًا، أراحت يديها على خاصرتها، ثم أمالت رأسها نحو الشاشة، كأنها تحتاج أن تسرق من وجه تُوق شيء من دفء البيت: وش صار على زواجك؟ جهزتي؟
ابتسمت تُوق، تلك الابتسامة المليئة بكل ما لا يُقال، ثم حرّكت الكاميرا نحو زاوية من الغرفة ظهرت فيها بعض الصناديق البيضاء، وفوقها فستان زفافها معلّق بعناية، تحيط به أكياس الهدايا، وعلب العطور.
قالتها بنبرة فيها خليط من الترقّب والامتنان: باقي أسبوعين بالضبط...
ثم أضافت: وكل شي جاهز الحمد لله، ما بقى إلا الوقت يمشي.
صمتت نبراس لحظة، تأملت الفستان عبر الشاشة، شعرت بشيء دافئ ينمو داخلها، رغم المسافة، رغم الغربة، إلا أن رؤيته وحدها جعلتها تبتسم: يا رب يتمم لكم على خير... تستاهلين كل السعادة.
قالتها تُوق، بصوت خافت، فيه شوق لا يحتاج إلى تفسير: وإنتي بعد... يا بعيدة.
ثم همست تُوق، ونبرتها كانت متشبعة بالحزن: نبراس... يعني شلون ما راح تجين؟ تكفين، حاولي عشاني... أول زواج لي، وأختي ماهي حاضرة؟
كانت كلماتها تمشي على وتر حساس، توجع نبراس دون أن تُظهر، لكنها شعرت به، شعرت بكل شيء في نبرة تُوق... الفرح الممزوج بالنقص.
ردّت بصوتٍ مخنوق، حزنها لم يقلّ عن أختها: والله بحاول... عندي أسبوعين، بستاذن من الجامعة وبضغط كل شي، أخلص المهام والتقارير... عشان يوافقون أجي، حتى لو بس ليوم واحد، أشوفك فيه، وبعدها أرجع.
أومأت تُوق برأسها كأنها تُمسك بأمل صغير وتُحاول تثبيته بين يديها: إي... تكفين.
سكتت تُوق للحظة، عينها تحدّق في لا شيء، وكأنها تحاول ترقّع الفَراغ اللي خلّفه غياب نبراس حتى قبل ما يصير،
ثم قالت بصوت خافت، أقرب للرجا منه للكلام: لا تخليني بهاليوم، أنا ما تعودت أفرح إلا وإنتِ جنبي.
ابتسمت نبراس رغم الغصة، وغمضت عيونها كأنها تتهرب من الدموع اللي تجمعّت في طرف رمشها: والله إني بحاول، بحاول قد ما أقدر، بس لو ما قدرت... اعذريني، موب بيدي.
هزّت تُوق رأسها بنعم، لكن قلبها يصرخ بـ"لا" ما سمعها أحد.
ابتلعت الحزن على عجل، وغيّرت الموضوع بضحكة مصطنعة: تدريين؟ فستاني طلع مو طبيعي، قسم يا نبراس لو تشوفينه، بيغمى عليك من الزين!
ضحكت نبراس، بس كانت ضحكتها قصيرة، ناقصة، مثل صدى بعيد لصوت فرح ما اكتمل: يا بعد عمري، متأكدة إنك طالعة أميرة... وإذا ما جيت، صوري لي كل تفصيلة، حتى طرحة شعرك، أبي أشوف كل شي.
ردّت تُوق بمرح مكسور: أصلاً جهزت كاميرتين عشانك، وحدة تصوّر، والثانية تحنّ عليّ لما أشتاق لك.
ضحكت نبراس هالمرّة من قلبها، بس بين الضحك كان فيه غصّة ما رضت تروح،
وهمست كأنها توعد نفسها قبل تُوق: ما راح أخليها تمرّ من دوني... مستحيل.
.
.
.
مضت الأيام مسرعة، كأنّها تسابق الزمن، لا تلتفت لأحد ولا تمنح أحدًا فرصة لالتقاط أنفاسه.
توزّعت الأرواح بين الانشغالات، وكلٌّ غارقٌ في عالمه، يؤدي دوره بصمت أو بحماسة، حسب ما تمليه عليه روحه.
نبراس انهمكت في دراستها، تتنقّل بين قاعات الجامعة وصفحات الكتب، تُسابق الوقت لإنهاء ما عليها من مهام وتقارير.
DU LIEST GERADE
لا أنتَ عزيز هالرمال ولا نوارِس هالبحر أعظم حروبك تُوق واقصر دروبك سّفر
Romantikحساب الكاتبة انستا rwaie.20
Part : 20
Beginne am Anfang
