🔷إقتبااااااس ناري 🔷

31.2K 1.4K 191
                                        

فتح الباب ليري رجلاً بالخمسين من عمره، بجسدٍ رياضي ممشوق، سألهُ بفضولٍ حين رأى صمته ونظراتهُ الغريبة:
-أفندم؟
-إنتِ مش عارفني يا يوسف؟... قالها الرجُل بحنينٍ ونظراتٍ تجمعت بهم الكثير من قطرات الدموع ، ضيق بين عينيه يسألهُ مستفسرًا وهو يُشير على حاله:
-وهو المفروض أكون عارف حضرتك؟!

بسط يده للأمام ليحتوي ذقن الشاب ونطق بصوتٍ باكِ:
-أنا أبوك يا يوسف
تراجع للخلف بغتةً لإبعاد كف الأخر وكأنهُ شيئًا مقزز لم يتحمل لمسته، ملامحهُ بقيت ثابتة لم يحرك ساكنًا ولم يظهر أي ردة فعلٍ، بل وضع كفهُ بجيب بنطاله القطني بهدوء مما استدعى لاستغراب الأخر لينطق من جديدٍ مكررًا جملتهُ:
-أنا أبوك يا يوسف
-سمعتك... قالها بجمودٍ وكبرياء لتتحول ملامح الأخر لمصدومة فتابع الشاب تحت صدمة الأخر:
-فيه حاجة تانية حابب تضيفها؟
ونظر بساعة يده لينطق بلامبالاة:
-عندي شُغل مهم ومش فاضي.

ابتلع لعابهُ قهرًا ليخرج صوتهُ بتأثرٍ وعينين لامعتين بفضل دموعهُ الحبيسة التي تمعت من مقابلة نجله بعد طيلة تلك السنوات:
-هو ده استقبالك ليا بعد السنين دي كلها يا يوسف؟!

رفع حاجبهُ مستنكرًا ليخرج صوتهُ ثابتًا وبنبرة صارمة سألهُ مبكتًا:
-لا هو السؤال الصح اللي المفروض يتقال هنا، إنتَ جاي ليه بعد السنين دي كلها؟!

بقلبٍ يتمزق أجابهُ بعينين متأثرتين بصدقٍ يرجع لعشقه لذاك الحبيب الذي طالما امتلك القلب منذ ان طل بوجههٍ البريء في الدنيا:
-جاي علشانك يا ابني

-وأنا لا فاكرك، ولا عاوزك في حياتي... قالها بصياحٍ حاد أذهل الرجل ليتابع بقوة وعينين تطلقُ حممًا بركانية لو تُرك لها المجال لانطلق انصهارها وأحرق ذاك الواقف أمامهُ وحولهُ لكتلة من اللهب:
-فبكل هدوء ياريت تتفضل تمشي
وأشار بكفه لباب المصعد الكهربائي:
-وياريت كمان تنسى العنوان ده وتمحيه من ذاكرتك للأبد، وزي ما عيشت حياتك كلها ناسيني، ياريت تكمل جميلك ده للأخر.

وتابع بفحيحٍ مشتعل محذرًا بإشارة من سبابته:
-لأني مش هسمح لك تدمر لي اللي جاي من حياتي زي ما عملت في اللي راح

لم يتوانى في اعطائه حق الرد وتراجع للخلف صافقًا الباب بقوة بوجه ذاك الذي خرج بؤبؤُ عينيه ذهولًا من استقبال الفتى له،نعم كان يتوقع استقبالاً فاتر وهطول أسئلةً كثيرة وعتابًا ولومًا لتركه كل تلك السنوات الطوال دون سؤال،لكنهُ أبدًا ما جال بخاطره تلك المقابلة الجافة وذاك الجحود من نجله الذي طالما كان مدللهُ بل والأقرب للقلب من حبل الوتين.

بالداخل توقف بمكانهُ مسلطًا نظراتهِ النارية على الباب، كور قبضتهِ بقوة مفرطة وبات يتنفسُ بصوتٍ عالي وصدرٍ يهبط ويعلو بعنفٍ من فرط الإنفعالِ، وما يشعر به من غضبٍ كامن بأعماق صدره، تعرف على شخصه منذ الوهلة الأولى التي فتح بها الباب ورأهُ مجسدًا بهيئته، فكان يُشبه ملامحهُ كثيرًا للحد الذي جعله يفطن معرفته، أخذ نفسًا عميقًا ثم استدار ليعود للداخل، اتسعت عينيه ذهولًا بعدما لمح تلك البائسة تتسمرُ بوقفتها أمام الحُجرة كصنمٍ، فقط دموعها تتساقطُ بغزارةٍ وجسدها ينتفضُ بقوة مرعبة تظهر مدى الهلع الذي اقتحمها،أسرع بخطواته لينتشل تلك البريئة من الضياع والتشتُت اللذان أصاباها من هول المفاجأة، ضمها لصدره بقوة واحتواءٍ ليلف ساعديه حولها وينطق قائلاً وهو يربتُ فوق ظهرها بحنوٍ ورعاية:
-إهدي يا زينة، خلاص مشي.

«أذنابُ الماضي» الجزء الثاني من أنا لها شمسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن