صدام المشاعر

567 49 71
                                    

دخل فارس الغرفة بخطوات ثقيلة، يحاول أن يبدو هادئًا، ولكن الحدة في عينيه وصوته كانت واضحة.

ينظر إلى منى بنظرة تجمع بين الغضب والخيبة، ثم يقول بنبرة مشحونة بالكبت:
"هل تعتقدين أن بتلك القمامه التي جهزتيها اليوم يمكنك محو الماضي؟"

منى، التي بدت وكأن الكلمات تضربها كالسكاكين، حاولت أن ترد بتوتر:
"بني... أنا لم أقصد أن..."

لكن فارس لم يمنحها فرصة.
قاطعها بصوت مرتفع قليلاً، لكنه يفيض بالألم المكبوت:
"اولا أنا لست ابنك! لا تناديني ببني... ثانيا هل يمكنك ترك أخي الصغير لي؟ الشخص الوحيد الذي استطاع انتشالي من ظلمتي، وجعلني أشعر أخيرًا أن لدي عائلة؟"

تتسع عينا منى من وقع كلماته، لكن فارس لم يتوقف. أكمل بحنق وهو يشير إلى يوسف الذي كان يراقب الموقف بحيرة وقلق:
"نعم، هو ساذج بعض الشيء ليصدقك، ولا أعلم أي سحر ألقيته عليه حتى لا يرى خداعك."

يوسف وكأنه يحاول بناء جدار هش من الكلمات يمنع تصاعد المواجهة.
وجهه متوسل، وصوته مختنق بالرجاء
"أخي... أرجوك، لا داعي لهذا."

ولكن فارس، الذي كانت عيناه تشتعلان بمشاعر مختلطة من الغضب والخيبة، أدار وجهه نحو يوسف بنظرة متماسكة، حاول أن تبدو نبرته هادئا لكنها تحمل في طياتها الغضب المكبوت
رفع يده كأنه يبرئ نفسه من أي اتهام
"ماذا يا يوسف؟ أنا لم أقل شيئًا....أنا حتى لست غاضبًا."

استدار فارس نحو منى، نظراته مليئة بالاتهام المغلف بالتحضر الزائف
"انظر إلي، أنا فقط اطلب منها بكل تحضر."

ثم أكمل، نبرته ازدادت حدة رغم محاولته الحفاظ على هدوئه الظاهري
"ولكن، لا تقلقي عليه أبدًا... لا تقلقي... أنا سأهتم به."

توقّف للحظة، كأنه يريد أن يمنح كلماته تأثيرًا أكبر، ثم استدار نحوها مجددًا وهو ينفي بيده بحركة عصبية
"هل لي أن اطلب منك طلب ؟! فقط اعلميني كم من الوقت ستحتاجين لترحلي من البيت وتهربي... كما فعلتِ سابقًا؟"

الكلمات خرجت كصفعة، وصداها تردد في الغرفة. سعد، الذي كان يقف في الزاوية، ظهر عليه الغضب المتصاعد كبركان على وشك الانفجار، لكنه ظل صامتًا، يراقب بصمت مشحون.

فارس لم يتوقف، بل أكمل، صوته ممتزج بالسخرية المريرة
"كم من الوقت تحتاجين لتسرقي وتدمري حياتنا وسعادتنا وأماننا؟ فقط أخبرينا... حتى نستعد للطوفان الذي ستُحدثينه بفعلتك.... أعتقد أن ذلك سيكون لطفًا منك."

الغرفة أصبحت أكثر برودة، وملامح منى اهتزت بصمت ثقيل، كأن الكلمات أصابتها بجروح غير مرئية. يوسف الذي شعر بالعجز أكثر من أي وقت مضى، وعيونه بدأت تلمع بالدموع التي لم يستطع حبسها.

بين العدو والأخ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن