←ليلة باردة→

39 26 4
                                    


      رفعت رأسها، وحدقت في الباب المغلق. كان صوته الهادئ والمستفز يرن في أذنيها، تلك النبرة التي تحمل في طياتها الكثير من السيطرة والغرور. 

همست لنفسها: 
"لن أكون قطعة شطرنج في لعبتكم... جواد، إذا كنت تعتقد أن هذا هو نهايتي، فأنت لا تعرف شيئًا عني." 
 

   نهضت ببطء من الكرسي، تتجول في الغرفة وكأنها تحاول فك شيفرة المكان. عيناها تتنقلان بين التفاصيل: الأثاث الفخم، اللوحات المعلقة على الجدران، والسجاد الذي يحكي عن تاريخ العائلة. كل شيء في هذا القصر يصرخ بالسلطة ، بالقوة، وبالإرث الثقيل الذي شعرت أنه يحاصرها منذ لحظة دخولها. 

وقفت عند النافذة الكبيرة التي تطل على الحديقة الواسعة. الأمطار خفيفة، والرياح تعصف بالأشجار، مما جعل المشهد يبدو كلوحة تعكس ما بداخلها: برودة ظاهرة، لكن اضطرابًا عميقًا في الداخل. 

قطعت أفكارها عندما سمعت طرقًا خفيفًا على الباب. 

"من هناك؟" سألت بنبرة حادة، لكن صوتها لم يكن يخلو من القلق. 

فتح الباب بخفة، ودخلت خادمة شابة تحمل صينية عليها كوب من الشاي وبعض الفواكه. وضعت الصينية على الطاولة دون أن تنطق بكلمة، ثم استدارت للمغادرة. 

لكن قبل أن تخرج، سألتها نوفا
"ما اسمك؟" 

توقفت الخادمة للحظة، ثم التفتت نحوها وقالت بهدوء: 
"اسمي ملاك، سيدتي." 

"لا تناديني سيدتي، فقط نوفا." 

ابتسمت ملاك بخفة، ثم قالت: 
"كما تشائين... نوفا." 

غادرت الغرفة، تاركة وراءها شعورًا غريبًا في قلب نوفا . كانت هذه هي المرة الأولى منذ وصولها التي شعرت فيها بشيء من الدفء، حتى لو كان بسيطًا وغير متوقع. 

جلست على الكرسي مجددًا، ورفعت كوب الشاي إلى شفتيها. وبينما كانت تحتسي رشفة منه،

همست لنفسها مرة أخرى:
"هذه البداية فقط... اللعبة لم تبدأ بعد. سنشاهد من سيبقى واقفًا حتى النهاية."

عادت لتنظر إلى النافذة، حيث  الأمطار تتساقط بخفة، ترسم خيوطًا متعرجة على زجاج الغرفة.... شعرت بالضجر يزحف إلى قلبها. استدارت بعينيها نحو الغرفة المدمرة، آثار غضبها لا تزال شاهدة على لحظة انفجار مشاعرها. نثرت نظراتها هنا وهناك، تبحث عن أي شيء يشغلها ويبعدها عن أفكارها القاتمة.

خطفت عيناها شيئًا على لارض  تقدمت بخطوات بطيئة نحو الغرض المغطى بطبقة رقيقة من الغبار. مدت يدها لتكتشف أنه ألبوم صور قديم، جلدته البنية مشققة من الزمن، وصفحاته متآكلة عند الأطراف و كأنه مرت عليه قرون و حروب لا تحصى.

أخبريهم يا ماردينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن