وجهٌ آخر

585 39 52
                                    

بدأت جليلة تسرد ما جرى، ولكن بأسلوب ملتوٍ، أخفت فيه الكثير من الحقائق الجوهرية. ألقت باللوم الكامل على يوسف، وأظهرت الأمر وكأنه تهجم على ياسر دون سبب.

فتح فارس الباب بعنف، مما جعل يوسف ينتفض في مكانه بفزع. وقف يوسف بسرعة، متراجعًا خطوة إلى الوراء، وهو يرى فارس يقترب منه بخطوات غاضبة، وعيناه مليئتان بالتهديد.

قبض فارس على يده بقوة، وكأنها على وشك الانفجار، وقال بصوت عالٍ وحاد:
"كم مرة حذرتك؟ نهيتك عن افتعال المشاكل وعن الاحتكاك بأي أحد في هذا البيت؟!"

حاول يوسف أن يبرر نفسه بخوف، لكن قبل أن تخرج الكلمات من فمه، صفعه فارس بقوة، جعلت رأسه ينحني قليلًا. أمسكه فارس من تلابيب ملابسه بقبضة حديدية، عينيه تحدقان في يوسف وكأنهما تخترقان روحه.

"إذا تجرأت على تكرار هذا الأمر مرة أخرى، فلن أكتفي بهذا!"
قالها بصوت منخفض لكنه مليء بالتهديد.

ثم دفعه بقوة، ليسقط يوسف على الكرسي خلفه،
بعد أن أغلق فارس الباب خلفه بعنف، وجد نفسه يتجه لا إراديًا إلى حديقة المنزل.

كانت أنفاسه تتسارع، وقلبه ينبض بغضب لا يفهم سببه بالكامل. جلس على أحد المقاعد، واضعًا رأسه بين يديه، وكأنما يحاول ترتيب أفكاره.

كانت تلك المرة الأولى التي يمد فيها يده على يوسف. لم يكن ذلك مخططًا، ولم يكن يدري ما الذي دفعه لذلك الغضب الجامح.
هل كان استفزاز جليلة؟ أم فكرة أن هذا الفتى قد يُدمّر كل شيء؟

تذكّر نظرات يوسف، تلك النظرات الممتلئة بالكراهية والضعف معًا. ودموعه التي تأبى أن تسقط لكنها واضحة في عينيه. شعر فارس بتيه داخلي:
"هل هذا الفتى ضعيف لدرجة أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه؟ أم قوي لدرجة أنه يتحمل كل هذا دون أن ينهار أمامي؟"

خرجت رحمة من المنزل بهدوء، تحمل في يدها كوبًا من القهوة. تقدمت نحو فارس الجالس في الحديقة، نظراته غارقة في شروده، وكأنما يحاول الهروب من أفكاره.

مدت رحمة الكوب نحوه وهي تقول بلطف:
"تفضل."

رفع فارس رأسه، ونظر إلى رحمة بعينين مثقلتين بالتعب والغضب. أخذ الكوب بصمت، لكنه لم ينطق بكلمة.

ظلت رحمة صامتة للحظات، ثم قالت بصوت هادئ:
"يوسف لم يفتعل الشجار من تلقاء نفسه."

توقف فارس عن شرب القهوة، ونظر إليها بحدة، لكن رحمة تابعت دون أن تتراجع:
"ياسر هو من بدأ بالسخرية منه. أحرجه، ونعته بالفقير والمسكين، ودفعه حتى أنه تسبب بكدمة في ذراعه."

بين العدو والأخ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن