الفصل الثاني: 🌪🥀

99 44 16
                                    

العزاء بلا ميت

في المنزل، الأجواء خيمت عليها سحابة كثيفة من الحزن والارتباك. كلفي ركن من أركان البيت الذي كان يعج يومًا بالأصوات والضحكات، بات الآن يسوده صمت ثقيل، مثقل بالأسئلة والهموم التي لا إجابة لها. كان الجميع يحاول فهم ما حدث، لكن لا شيء كان يبدو منطقيًا.

مر الوقت ببطء، ساعات قليلة فقط مضت منذ القبض على منير، لكنها بدت كأنها أيام طويلة، حيث بدأت الأخبار تنتشر كالنار في الهشيم. لم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن يتوافد الناس إلى المنزل أفواجًا، الجيران، الأقارب، وحتى الغرباء، جميعهم يأتون محملين بأسئلتهم الثقيلة والمزعجة.

"هل حقًا منير ارتكب الجريمة؟" سأل أحدهم، وكأن الإجابة ستأتي لتكشف الحقيقة المختبئة.

"كيف له أن يفعل ذلك؟ كان شابًا هادئًا ومحترمًا..." قالت إحدى الجارات وهي تهز رأسها بتعجب.

تكررت نفس الأسئلة مرارًا وتكرارًا، كما لو أن الكلمات كانت سكاكين أخرى تضرب القلوب المتعبة، تُذكر الجميع بالصدمة التي يعيشونها. الوجوه كانت متوترة، والأصوات تتحدث بصوت خافت، لكن الألم كان يتردد صداه في كل زاوية.

لم يكن هناك نوم ولا أكل، فقط صمت مشحون بالأسى. البيت الذي اعتاد أن يكون ملاذًا للحب والدفء، تحول إلى مجلس عزاء بدون ميت. الأطفال كانوا يختبئون في الغرف، لا يعرفون كيف يتعاملون مع ما يجري، والنساء كن يجلسن في صمت، عيونهن مغرورقة بالدموع التي لم تُذرف بعد.

كانت نيل تجلس في زاوية الغرفة، تراقب كل شيء بصمت. في قلبها، كانت تشعر بثقل العالم يضغط عليها. كل تلك الوجوه التي دخلت بيتها، كل تلك الكلمات التي نُطقت، لم تكن تفعل شيئًا سوى زيادة إحساسها بالعجز والخوف. كانت تتمنى لو تستطيع الصراخ، لو تملك القوة لتدافع عن أخيها، لتصرخ في وجه كل هؤلاء الذين يشككون في براءته.

لكنها كانت تعرف أن الصمت هو سيد الموقف. كل كلمة تُقال، وكل همسة تتردد، كانت تزيد من ألم العائلة. حتى والدها أحمد، الذي كان دائمًا عمود البيت وسنده، بدا وكأنه قد انكسر. جلس في زاوية أخرى، يداه متشابكتان أمامه، وعيناه مليئتان بالحزن والدهشة.

الأم، التي كانت دائمًا تصنع الطعام للعائلة وللضيوف، الآن لم تعد تجد قوة حتى لتحضير كوب شاي. الجميع كان يترقب الأخبار، يترقب أن يفتح الباب فجأة ليعود منير إلى أحضانهم، لكن في أعماقهم كانوا يعرفون أن الحقيقة التي يواجهونها الآن قد تكون أكثر صعوبة من أي شيء سبق أن عاشوه.

في تلك الليلة، تحول المنزل من مكان للدفء والحب إلى ملاذ للألم والخوف.

أنين العدالة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن