لم تولد.
لم تُسحب من رحم، ولم تُنفَض عن حبل.
بل ظهرت كما تظهر الشقوق في البلور، بصمتٍ مفاجئ، مؤذٍ، كأن أحدهم تلفّظ باسمٍ محظور في منتصف صلاة.
---
ظهرت في المنتصف.
لا بداية، لا نهاية.
في سهلٍ من العتمة الطافية، حيث السماء ليست سماء، بل سطحٌ رمادي متصل بالضوء المهترئ.
الأرض هناك لا تنبت، بل تتنفّس.
وبين كل شهيق، يتفتّح لحم من الظلال، ويهمس بلغة مكسورة.
في تلك البقعة التي يسمّونها — أو ينسون تسميتها — "جوف الحرف"، ظهرت.
---
عيناها لم تُصنع لتبصر، بل لتعيد تشكيل ما تُبصره.
حين تنظر إلى شجرة، تنكمش الأغصان خوفًا، ويتحوّل اللحاء إلى جلدٍ يشهق.
وحين تنظر إلى ماء، يرفض الانعكاس البقاء.
اسمها؟
لا شيء.
وكل شيء.
يسمّونها أحيانًا "ليانورا"، كما لو أن الحروف ذاتها مرتبكة، تبحث عن لحنٍ يناسب الكارثة.
---
الريح في عالمها لا تهبُّ، بل تتدلّى.
كأن الهواء نفسه حبل، يتدلّى من فوق، يلمس الجلد ثم يختفي.
والأصوات تُسمع بالعظم، لا بالأذن.
تدخل الجسد كدخانٍ كثيف، وتسكن في منتصف القلب، وتهمس من الداخل.
هي لا تتكلّم.
لكن إن همست، تتصدّع التربة.
وإن صرخت، ينسى الوقت ترتيب الأيام.
---
ذات فجرٍ مكسور، خطت أولى خطواتها.
لم تمشِ... بل انسابت.
كأن جسدها لا يمتلك وزنًا، بل صدى.
كل خطوة تترك وراءها بُقعة لا لون لها، تبتلع الضوء، ثم تختفي.
مرّت قرب حجرٍ غريب الشكل، فيه فم، لكن بلا أسنان.
الفم تمطّى ببطء، وقال لها بصوتٍ لا يشبه الصوت:
> "أنتِ التي جئتِ من الخطأ."
لكنها لم تتوقف.
لأنها تعرف.
تعرف أنها ليست من هنا.
ولا من هناك.
بل من "فكرة أُلقيت ثم نُسيت"، ثم خجل الوجود من محوها.
---
الأجساد هنا لا تُدفن.
بل تُزرَع.
كلما مات كائن، تُغرس عظامه في الأرض، لتنبت منه فِكرة.
لا شجرة، لا زهر، بل *أثر* — مثل ارتعاشة في الحلم، أو عطسة داخل جمجمةٍ قديمة.
هي مشت بين تلك الأفكار، ولم ترتعش.
لم تخف.
بل ابتسمت.
---
أنت تقرأ
زيـلكاثـرا
Fantasyفي قريةٍ معلّقة بين الحلم واليقظة، تنام فتاة تُدعى ليانورا... أو هكذا يُظن. لكن الليل يعرف اسمها الحقيقي، والغابة تنطق به حين لا يراها أحد. هي ليست بشرًا تمامًا... بل خطأٌ ناعم في نسيج الواقع. كلما أغمضت عينيها، تنفتح العظام، ويتنفس الظل. وكلما حاول...
