أنهى كوب اللبن كأنما تجرعه سما ....يأخذ رشفة ثم يأن و يرفض و يتأفف و يعانى غثيان فتصبر و تتحمل ، تربت على كتفه و تمسد ظهره ، يدعى قيئا على كتفيها فتمرر أصابعها بين خصلات شعره ترجو من صبرها عليه أجرا ممن يملك الأجر
عندما تألف النعمة سنوات تنسى حالك قبلها ، تظن أنك على حال لن يتبدل فتبدو النعمة التى كانت دعوتك ليل نهار مسلمات فى حياتك
حتى تهتز الحياة قليلا فتذكرك بما كان و كيف كان و كيف نجوت من الظلمات ....كيف ألقى بك الحوت على اليم .
نام أو هكذا ظنت فخرجت لتعد الإفطار و تركته.
وجهها أصفر و تعانى ......فقط تعانى .
رفض الثلاثة الذهاب إلى المدرسة و من استطاعت السيطرة عليها فقط أصغرهم التى ألبستها و ألحقتها بحافلة المدرسة قبل أن تدرك انها الوحيدة التى ستذهب .
عايدة ذهبت أيضا بمفردها فيما بقيت هالة و سليم خرج من بعد الفجر إلى التمشية الصباحية التى يمارسها كل يوم بصفة روتينية كما قال أنه اعتاد منذ زمن ....
هالة تقول إن والدها نائم و هى تتابع الفتاة أثناء قيام بتجهيز ما ستحتاجه لطعام الغداء .
اهدأ من ذى قبل ولكن بوجه عام لازالت هالة ، أعدت شطيرة و اعطتها لأدهم فأخذها منها و وضعها بجواره ثم جلست إلى جانبه حاولت أن تحدثه فوجدت منه صدودا فانقلب وجه زينب اكثر
"هل يفعل هذا ليحعل الرفض من جهتها أم مجرد صدود بعد أن اصبح مصيرها محتوم به "
لا تعلم كيف ألتقت افكارهم فتقابلت نظرات ادهم بأمه .
اعطته نظرة احتقار جعلته ينكس رأسه ، سيتوقف رأسها عن العمل و ستضربه هو و اباه و عمه و عائلته بأكملها .لم تكن زينب فى تلك اللحظات تدرك أن هناك و على بعد أمتار منها من يحيا عذاب من نوع أخر .
طارق الممد على الأرض يشعر بالحصى و الحجارة تحت جسده ينشر آلالام متفرقة ، الرائحة العفنة التى يشتمها جعلته يتعرف على المكان دون أن يفتح عينه .....
رائحة هى خليط من عفن و قمامه و روث مثله تماما .....رائحة بعطنها تحتضنه ليصبح جزء من المكان كذرة هواء قابعه هنا لا تتحرك مخالفة قوانين الكون مثله تماما عاجز عن الحركة كأنه فقد السيطرة على جسده كما فقد الأتصال بفمه فحتى صوت الأنين الذى كان يتحرر من بين شفتيه أسر .
تحت وطأة الليل اكتشف أنه مات !
و على مقربة منه و هناك أحدهم يتقيء بصوت عالى جدا كأن روحه ستفرغ مع قيأه و بعد مده اصبح هناك شجار عال
"بقولك دكر .....الى مرمى على الأرض فى الخرابة ده دكر "
"دكر مين يا عم ....انت اتعميت مش شايفها ديه ايه .......دول جوز عيون و شعر و لحم أبيض قشطة .....انت اعمى معروفة سيبنى ادخل انا افك السلك و اقولك ديه احلى بنوته "
"فكيت و بقولك راجل ....دكر .....انت مش مصدقنى ليه يا عم انت "
"عشان انت كداب دخلت جوه قعدت ربعاية سامع صوتك من هنا و جاى *****تقولى دكر ******"
"يا عم و رحمة أمى الى ما وعيت عليها دكر و كنت بكدب نفسى بس يخربيت أمه وش مره و جسم راجل ......شكله ابن ناس يالا و ضاع و لا اتخطف اخرس و عيان "
"ايه ده .....انت سامع صوت السرينة يالا مش بقولك ابن ناس و اهله بيدوروا عليه.....احنا جنب حجز الازبكية .....احنا غرباوية هنا يا شق يعنى النومة بلاطة و قبضه و هيبدلوا علينا"
"****لا انا ماليش فيه ....طيران انا الصوت قرب"
القبر يزداد ضيقا و عظامه تنكمش على نفسها و ما يرفض الانكماش يتهشم .....
ما يرفض الانكماش يتفتت .......
ما يرفض الإنكماش ......ينتهى
الغريب فى الأمر ان عظامه التى تتفتت لم تؤلمه ، لا يؤلمه سوى طقطقتها و هنا أيضا اكتشف ان الناتج منها ليس ألما بل هو انزعاج ، زهق ، كراهية .....صوت يبعث بداخله اشمئزازا .
عاد الصوت بجواره من جديد يسمعه من كل مكان حوله .....يتحدث الكلمة و يرددها صداه بعده مئات المرات بصورة لا تنتهى .
"حقك على راسى يا صاحبى على الى عملته فيك .....الى ما يعرفك يجهلك .....انت حليوة اوى شكلك يخم اجدعها راجل و الشيرته الى انت لابسها ديه و حاطط حلق فى ودناية كمان و شعرك يالا ....كله فى كفه و الكام شعراية الصفرا الى وسط شعرك ده فى كفه ....الولا حلتيته لولا الحركة الى عملتها فيه مكنش هيسيبك النهاردة .....شكلك عيان اوى يا شق ....حكم انا اعرف العيانين دول من نظرة و انت المرض ناحل وابرك ......انا مش دكتور بس بروح القصر اقلب عيشى هناك و شوفت زيك ياما مرامين على السراير ميتين و بيقولوا عليهم عايشين بس هم ميتين زيك كده ......متزعلش منى يا صاحبى انت غلطان انت جيت معانا برغيف حاف و معملتش اى حركة كده و لا كده .....انا عارف انك اخرس بس سامعينا لما الواد قالك حاسب العربية حاسبت و انت سامعينى دلوقتى عشان كده انا قولت اقولك الكلمتين دول من واحد اكبر منك الشارع ده خدنى على كفتينه ....اوس* حاجة فى الدنيا يا صاحبى النومة الى انت نايمها ديه ....انت لسه صغير بس الصغير مسيرة يكبر و الشارع مليان انجاس بس مشوفتش انجس من الى بيعمل كده ......انت راجل يا شق مش محتاجها النوم ديه عشان تطفح رغيف حاف ....ميتين ام الدنيا و الى عايشها لما الرجاله تنام كده عشان رغيف حاف ....سامع يا صاحبى ميتينها على ميتين ابوها ......تولع على دماغ الكل ......انت لو جوعت مطوتك فى جيبك يا صاحبى ازنق اجدعها افندى من الى بيلبسوا قميص و بنطلون و بيرشوا كلونيا خد كل الى فى جيبه و اطلع على عمك حامد فى السيدة أحلى حلويات يا صاحبى و ازازة البيرة المشبرة و دخانك ....دكر ...راجل ملك زمانك ....هتفتكر كلامى و تقول جنزيرة قالى ....انت اسمك ايه "
أنت تقرأ
إرث السمراء ....الجزء الثالث من أنين الروح
Spiritualوطن .....حكاية عائلة درامى .... رومانس