الفصل الثاني عشر

60 3 0
                                        

تتوقف سيارة فارهة أمام إحدى البنايات، يترجل منها السائق ويفتح الباب الخلفي، ليترجل منها ذلك الرجل العجوز وحفيده، كان يمسك بيد جده ووقفا على باب البناية، لمعت عيناه بحزن وهو ينظر لتلك اللافتة المكتوب عليها (مقابر عائلة الهلالي)، أخذ المفتاح من جده وقام بفتح البوابة.

نظر من حوله ليجد قبورا كثيرة لأفراد عائلته، حتى توقف عندما رأى قبرا بإسم شخص عزيز عليه، الاسم "أحمد محمود الهلالي"، وقف أمامه ولامس القبر ونزلت دموعه، لم يحتمل الوقوف فجثا على ركبتيه، أخذ يتمتم بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، ثم همس بخفوت قائلا:

- وحشتني أوي يا بابا .. الوقت عدا بسرعة كبيرة وكأن ذكرياتنا كانت امبارح .. دلوقتي انا كبرت واتجوزت الحمد لله .. ماما ربتني وكبرتني واتكفلت بكل حاجة .. حقيقي أنت سيبت معايا ست ولا كل الرجالة .. يا زين ما اخترت يا بابا .. كانت بتحبك أوي ومبطلتش كلام عنك .. رجالة كتير كانوا عايزين يتجوزوها بس هي رفضتهم كلهم لأنها مش هينفع تخون قلبها اللي مش متعلق غير بيك .. كانت دايما بتوصيني اني ابقى زيك في كل حاجة .. مستسلمش أبدا ولا ابقى في يوم جبان .. وأنا اهوه قدرت أتخطى معظم المشاكل اللي واجهتني ومخلتهاش تدمرني

ثم أردف وقد زادت دموعه:
- بس في الآخر سابتني أكمل الطريق وحدي .. قالتلي دوري انتهى هنا وولازم تكمل وحدك .. رجعتلك لأنك وحشتها يا بابا .. ماما كانت مفتقداك جدا في حياتها ومن بعدك كانت زي الميتة .. حقيقي أنتو أحسن أب وأم في الدنيا كلها .. وزي ما ربنا جمعكم مع بعض في الدنيا هيجمعكم مرة تانية في الجنة إن شاء الله

كان الجد ينظر له ولم يتمالك نفسه وبكى بشدة، نهض عمر ثم وقف أمام ذلك القبر الصغير الذي يحمل اسم الطفلة التي ملأت حياته بكل أنواع المحبة والبهجة والسعادة، أخته وحبيبته "فاطمة" التي لم يجد لها مثيل في رقتها وطيبتها، كان يحبها حبا لا مثيل له، ومستعد أن يضحي بنفسه ولا يراها تصاب بمكروه أبدا.

جثا على ركبتيه ثم احتضن القبر تلقائيا، لم يتمالك نفسه وأخذ يبكي ويشهق بصوت عال قائلا بصوت متهدج:

- وحشتيني أوي يا فاطمة وحشتيني أوي يا أحلى أخت في الدنيا .. عمري ما نسيتك ولا هنساكي يا حبيبة قلبي .. أتمنى لو أشوفك تاني حتى لو خسرت كل حاجة .. لسه فاكر ضحكتك وابتسامتك ليا لما بنلعب سوا .. لمسة ايديكي لما كنا بنروح المدرسة .. لما كنت بغمض عينيكي لما بكون محضرلك مفاجأة .. فرحتك لما كنت بمدح في رسمك الجميل .. وحشتيني أوي يا اختي الحبيبة وحشتيني أوي!

لم يهدأ أبدا بل ظل يبكي وينوح بطريقة مفجعة وهو يرى أسرته تحت التراب، كم اشتاق لهم وكم تمنى لو ينعم برؤيتهم ولو كلمح البصر، جاء إليه جده ووضع يده على كتفه وساعده على النهوض، فارتمى عمر في حضنه وهو يبكي، فأخذ يمسح على ظهره لتهدئته ودموعه لم تجف هو الآخر.

كما وعدتك - الجزء الثانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن