أجهشت السماء الكحلية بأمطارها غزيرة على الأرض التي بدأت تكتسح بظلام الليل مكثف بَكَاء , وقف الحَبْرُ راؤول عند الشرفة سامحا لتلك زخات مصحوبة بنسمات باردة أن تتخلل إلى أجوف عضامه التي باتت متجمدة بجليد الجو شَبِم, كان العراء مثقلا بالكآبة و السكون, نقيض دواخل الحبر الذي ما انْفَكَّ ثقله من الإِسْتِعْلامات التي كانت في حاجة إلى إجابات تجعله يُمَاثِل إستقرار عراء خضل
عقل تائه بين مغارات الأفكار المتمردة ٱنبثقت بهياج على كيانه، و ما حدث معه هذا صباح لا يزال يتردد على روحه بعتاب و ضمير، حينها لربما أدرك أن وقوفه على شرفة متجمدة لن يزيد إلا في هيجان إنسدال أفكار سيفية مبتغاها اختراق رشده بنصلها حاد، لذا عتب بخطواته داخل حجرته صغيرة مُغْلقًا باب شرفة مَانِعًا الزخات ثُلاجِيَّة مصاحبة قطرات من الأمطار الغزيرة بتوغل إلى مسكنه دافئ. جلس على كرسيه خشبي أمام مكتبه صغير الذي يحتوي على شمعة مضيئة تشع بنور خافت عتمة ظلام الحجرة، و أخرج بِضع أوراق مُصفرة اللون من درج مكتب ثم غمس ريشته في مداد كحلي و ٱستهل بكتابة
كانت طريقة قد وجدها راؤول مُجدِيَّة نفعا في أن ينتشل تلك الأفكار المَرضية من قوقعة عقله، و لربما في أن يسمح لروحه بأن تطلق عَنَانِهَا في كل ما يَثْقُل كاهلها من طَوايا خبيثة تُمرِضُه و تُشَتِّت ذهنه مع سائر أركانه وجدانية
تَصَلَّبَت ريشته قبل أن يطأ مدادها على سطح ورقة صفراء، و كأن أفكاره هَيَّاجَه قد تجمدت على حين غفلة و سكنت كعمق البحر، و عاد موقف الصباح يتردد على صدى عقله
.
.
.
.
اعتلى الضباب سماء باريس مع سطوع الفجر الشاحب ترافقه نسمات باردة تُجَمِّد أوصال المُشاه و تتخلل إلى أضلاع نائمين سواء من ينعمون بنوم داخل بيوتهم دافئة أو من يَتَخِّذون الشوارع الباريسية مسكنا لهم، كان الحَبْرُ قد أَقْدَم على أخير إمتحان في سنته الأخيرة من الجامعةكان التعب المُهلك باديا على ملامح وجهه برونزية، و بخطى متثاقلة لا توحي إلا أن جسد المُتَمَشي يصرخ مُطالبا بقسط من راحة ليستريح. حجريتين سوداوتين مُصوبتين على بلاط صخري الذي يطفو على سطح باريس و جثة تتمشى بتريث شديد، هذا ما كان يبدو عليه راؤول و هو يطوف الأزقة بفكر شارد، حتى سمع صراخ انتشله من غموم غفلته جعلته يتحول من شخص سَاهِي إلى شخص مُتَوَقِّي حواسه يَقِظة بحذر عما يجري أمام مرمى عينيه
إنتصب متصلبا في وقفته يرى منظرا خلٌَف على خبايا جوارحه الإشتعال بغضب و حنق ساخط.
كان شرطيا فرنسيا واقفا بمعالم تَمَقُّط و إِمْتِعَاض، أمام رجل مسن بجلد مترهل و ملامح مهزوم تقطنها عيون تكاد تغمض بعياء من كهل حياة، و جسده واهن بضعف شديد أما رأسه فقد كان مُنْحَنِيًا برهبة من جبروت واقف أمامه الذي كان يصرخ به بنبرة كَيْد و حِقْد. حينها لم يجرؤ راؤول على تقدم ناحيتهم لمساعدة رجل مسن أو حتى مساندته في أي عواقب وخيمة قد تُطبق عليه بظلم على حاله خائِر ذَابِل، و ظل بمكانه يشاهد ذلك المنظر كَلِيل فَقِير من أخلاق و الإنسانية

VOUS LISEZ
لأجلي
Mystery / Thrillerإن كان دماء أعدائي هو ثمن لحريتي فأسفكهم سفكا حتى يغدو مداد البحر أحمرا