روما، عام 1940
كان فتى التاسعة عشر، رغم جو يونيو الدافئ يرتجف بخفّة رهبةً من قلقٍ بداخله لما هو على مشارف مواجهته.
أمسكه والده من معصميه، وصوب عيناه لداخل عينيه البنّية، والّتي توهجت بانعكاس أشعة الشمس عليها، وقال له والده مبتسما بلطف رغم جدية كلماته:
«اعتمد على نفسك يا إيان، إياك أن تثق بأحدٍ خلال المعركة كما فعل والدك.
لا تتخلى عن إنسانيتك ولو للحظة، وعد سالما، لتروي قصتك للعالم.»
هزّ إيان رأسه إيجابا، مع كل كلمة قالها والده الجالس على كرسيه المتحرك، صوب عيناه للأسفل يحدق بأرجل والده المصابة. اقترب منه أخيه الأكبر وأحاطه بذراعيه بخفة ثم همس:
«عد لنا سالما»
ابتعد أخاه عنه، ليُدير كرسي والده بإتجاه منزلهم، تاركينه في حديقته يتأمله، بدأ يحنّ إليه منذ اللّحظة هذه، اللتي يفكر فيها أن عليه الذهاب الآن، لأجل غير مسمى.
مسح عيناه ووجهه بيمناه، وأدار ظهره لبيته مغادرًا، ينشد اللحاق بالجيش الإيطالي.
استقبلت والدة إيان، ولدها الأكبر وزوجها بكلمات العتاب فور دخولهما:
«لا أصدق ما فعلتموه!»
قالت بلكنتها الايطالية الهجينة، ثم نظرت لزوجها لتوجه له كلماتها:
«كيف تسمح لابننا بذهابه طوعًا للموت؟
لم تعارض فقط ذهابه معي لكوريا، حيث يكون بمأمن ويُعفى من خدمته العسكرية، فحسب، بل شجّعته على أدائها باكرًا في ظلّ هذه الأوضاع!»
زفر والد إيان الهواء من رئتيه، ورد بهدوء:
«إيان ذهب ليؤدي واجبه الوطني، لقد أصبح رجلاً يعتمد عليه، وسيكون بطل الأمّة...»
-«بطل الأمة! لو لم تملأ رأسه بشعاراتك السخيفة هذه...»
علا صوتها تدريجيا بانفعال وشبكت يداها بشعرها القصير تمسده للخلف تعبيرا عن قلقها.
«إذا كنتِ خائفة من مضاعفات الحرب هنا، يمكنك أن تعودي لكوريا بمفردك.»
قال والد إيان كلماته الحادة بصوت خفيض، والتي وصلت لمسامع ابنه فنتشنزو لتفاجأه.
حدقّت فيه بحدة، بأعينها البُنّية النّاعسة،
وردّت بدون طول تفكير:
«بالتأكيد هذا ما سأفعله.»
____
البندقيّة، عام 1945
فتح إيان عيناه، على صوت نداء أخيه فنتشنزو، يطلب منه أن يفتح باب الشقة الذي يُطرق.
نظر إيان إلى السّاعة التي فوق مكتبه، والتي أشارت للثالثة مساء، ليدرك أنه غفى منذ فترة ليست بقليلة فوق مكتبه.
هطلت من عينيه عبرات دون إرادته، فغر فاهه يتحسس البلل عن خده، بينما نهض من مكانه متّجها نحو الباب، يحاول تذكّر ما الذي راوده في منامه، دون جدوى.
صاح لأخيه الذي يُحدث ضوضاء في المطبخ،
بينما يمسك مقبض الباب، مستفسرا لمَ لم يفتح هو.
شرع الباب على مصرعيه، وعندما لم يجد أحدًا صوب عيناه تلقائيًا نحو عتبته،
حيث وضع طرد مغلق.
مد جسده ويده، ليتفقد صندوق البريد الذي بجانب الباب، أخذ جريدة البندقية المسائية، وظرف مختوم، وأخذ الطرد كذلك، ثم دلف صافعا الباب بقدمه، يتأمل الأشياء بين يديه.
أنت تقرأ
لوحة فنية
Romanceبالفحم، بالرصاص، والألوان الزيتية... يتلقى الشاعر والكاتب إيان، لوحاتٍ تحمل وجهه، رُسمت من زوايا رؤيا مختلفة له. تكشف اللوحات أن المعجب المجهول يعرف الكثير ممَّا يحاول إيان جاهداً طمسه من هويّته وذاكرته. الغلاف من جنود التصميم
