السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
أهلًا بكل عينٍ وطأت صفحات هذا الكتاب.
لتبدأ الآن قراءة هذا الفصل ببسملة وصلاة على النّبيّ وآله.
انطلقنا....
لم تكتئب يا صديقي العزيز؟ ولم تحزن وتبثّ همومك؟
ربّما لست أقاسي ما تقاسيه، ربّما لو كنت مكانك لفعلتُ ما تفعل وأفظع. إنّني حتّى قد لا أملك فكرةً واضحةً عن معنى الألم. أهذا قولك؟
دعني أعتبر أنّه كذلك، وأنا أقرّ لك، لست أعرف عن الحزن الكثير، ولا عن الأهوال ولا عن القلق واللّوعة. ولكن يا للمفاجأة، أنا لا أنتظر حتّى أن أعاني شيئًا حتّى أدلي عليك بهذا، ولا أرى تجربتي للمعاناة قرينًا للنّصح. بل على العكس، لا يعتبر هذا عائقًا، ولا مانعًا أبدًا. هذا غريب... صحيح؟
لا، وألف لا، أيّها االعزيز. إننّا خلقنا في هذه الدّنيا، ليس للشّقاء لا للنّواح، إنّما خلقنا لنعيش، خلقنا لنحمل على أكتافنا زادًا نفخر به يوم القيامة، خلقنا للفكر الصالح، والقول الصّالح والعمل الصّالح. قد يتقافز هذا السّؤال في بعض الأذهان: 《ولكن يا عيسى، ما علاقة ما تقوله بالاكتئاب؟》
الإجابة جدّ بسيطة، فلو أنك تراجع نفسك مرّاتٍ ومرّات خلال نزعاتك الاكتئابيّة تلك لوجدت شيئا غريبًا. الكآبة أفظع من الموت، ولا أعني فقط على روح المرء، وإنما على الإنتاجيّة، وعلى مسارك الحياتي. وإن استسلمت لليأس، فمرحبا بك في مقبرة الأحياء. سوف تصبحك أعمالك بلا طائل، ومهما حاولت، لن تقدّم لأحدٍ أكثر ممّا أقدّم أنا لرائد فضاء على كوكب المشتري. ببساطة، سوف تصبح صفرًا على الشّمال، لا فائدة ترجى من وجودك (وأعني على المستوى الواسع، فقد أوضحت في فصل سابقٍ أنّ لكلّ شخصٍ أثره)
خلقنا الله لنعمل، لنتقدّم ونسعى ونجتهد، ليختبرنا وليقيم علينا حجّة على أنفسنا. والآن دعنا نقدّم وجبة خفيفة لدماغنا الأيمن، أي ما يعبّر عن الخيال.
دعونا نتعرّف على نديم. رجلٌ يسعى إلى أن يكون كبير العمّال في مصنعٍ للأواني الزّجاجيّة الرّاقية. أراد مدير الشّركة أن يختبر نديم، وكان عليه أن يقيّم قدرته على العمل، لذلك قام بتجربة مثيرة.
وضع المدير نديما في غرفة مغلقة، وأعطاه صندوقًا مليئًا بالمعدّات، وأعطاه موارد معيّنة، ثمّ كلّفه بصنع أفضل ما يمكنه صنعه خلال يومين اثنين، وخلال هذه الفترة، يمنع أن تدور كلمة واحدة بين نديم ورئيسه.
مرّت المدّة المطلوبة، ودخل المدير على نديم، وما رآه كان مثيرًا. كانت االمعدّات مرتّبة بعناية، والمواد الأوّليّة منظّمة وغاية في النّظافة، وكان نديم جالسًا على أحد الكراسي، ولكنّ شيئًا واحدًا لم يكن في الغرفة، وهو نتائج عمل نديم خلال اليومين.
