الحلقه الاولى

35 3 0
                                    



المنبه يعلو دون انقطاع، يفتح عينيه بصعوبة وينظر الى الوقت ليجد انها الساعة الثامنة صباحا، ولكنه يتثاءب في كسل و  يغلق المنبه ويعود الى نومه في لا مبالاة، لتعود اليه أصوات المنبه مرة اخرى بعد خمسة دقائق فينتبه هذه المرة، أنه  أول يوم عمل له  ومن المفترض أن لديه موعد مع مالك المصنع الذي سوف يقوم بالعمل به وذلك في الساعة التاسعة صباحا، والان الساعة اصبحت الثامنة  وعشر دقائق فقام  مسرعا واتجه  الى الحمام و في الطريقه قابل والدته  حيث كانت تحمل الشاي وهي متجها الى المكان  الذي كان يجلس فيه والده في الردهة وهو يتناول طعام الإفطار وينظر اليه نظرات هو وحده الذي يعرف ما يقصده وما تقوله عيني والده ، ولكنه لم يهتم كثيرا لها فقد سبق أن تجادل معه دون فائدة،  وسمع والدته تقول له معاتبة 
" طالما عندك موعد مهم سهرات لوقت متأخر  كده ليه ..     ؟؟؟؟ "
لم يعقب عليها  وإنما اكمل طريقه إلى الحمام، ولكنها استكملت كلامها بنبرة مرتفعة حتى يسمعها  وهو يغلق باب الحمام
" تعال افطر مع ابوك "
لم يكن لدية الوقت لكل تلك الأحداث، ولكنه سمع والده يقول بصوت مرتفع وكأنه أراد أن يصل إليه ما يقوله:
" سيبك منه ده عيل دماغه ناشفه وماشي بدماغه  "
لم يعطي بالا لما قاله والده  فيجب أن يسرع فلن يدخل في جدال معه في هذه اللحظات وقام بارتداء ملابسه بسرعة، ولم يتناول طعام الإفطار معهم، وإنما أسرع متجها الى تلك المقابلة المنتظرة، و بالفعل وصل الى المصنع بعد التاسعة  وقد تأخر عن ميعاده وبداء يشعر بأنه سوف يفقد تلك الوظيفة، ولكنه اتجه على الفور الى مكتب المدير، وعلى الرغم من أنه قد وصل  متأخرا عن موعده بنصف ساعة  إلا أن السكرتير لم يعقب على ذلك وسمح له بالدخول إلى المدير بكل سهولة، كذلك وجد المدير  يرحاب كبير به بشكل يظهر عدم اهتمامه بموضوع التأخير حتى أنه نظر إلى ساعة الحائط الموجود في مكتب المدير لكي يتأكد أنه قد تأخر بالفعل ، وسارة المقابلة دون أي مشاكل وتم الاتفاق على مواعيد العمل التي تبدأ من الساعة التاسعة مساء حتى الساعة التاسعة صباحا  ( حيث انه سوف يقوم بحراسة المكان ليلا بمفرده ولن يكون معه أحدا  ) وتم الاتفاق ايضا على الأجر الذي سوف يتقاضاه عن عمله والذي كان كبيرا جدا بالنسبة لتلك الوظيفة البسيطة، وذلك يعد من اكثر الميزات التي جعلته متمسكا بهذا العمل دون النظر إلى أي مواضيع أخرى كما  جعلته لا يستمع لكل التحذيرات التي جاءت من والده في الأيام الماضية،  وبالفعل استلم المفاتيح من الموظف المسؤول عن الفترة الصباحية،  كما قام بشرح  الاماكن من مخازن ومواقع للألات والمداخل التي سوف يقوم بمراقبتها، ورجع بعد ذلك الى المنزل على ان يعود فى التاسعة مساء بعد انصراف جميع العمال ليقوم هو بعمله، ومضى عليه الوقت سريعا حتى أنه لم يلاحظ ذلك.
وعندما ذهب الى المصنع  في الساعة التاسعة مساء حيث وجد أن  آخر موظف قد انصرف، وقام بالاطمئنان على  كل المداخل والمنافذ كما اشار له العامل صباحا، وبعدما انتهى من التأمين على كل المداخل والمخارج، و تأكد من غلقها   كانت الساعة قد أصبحت  العاشرة ونصف  وقد نال منه التعب بعض الشيء حيث أن المصنع على مساحة كبيرة ،  و في النهاية جلس أمام شاشات المراقبة في غرفة المراقبة والتي تغطي معظم الأماكن في المصنع، و قد قام بعمل كوب من القهوة وجلس يتناوله في هدوء واسترخاء، و مضى الوقت عليه بلا اي  نشاط غريب حتى أنه بدأ يشعر بالملل،  بينما حاول أن ينظر بين اللحظة والاخر  في الشاشات التي تبدو ساكنة دون حركة،  و في لحظة من تلك اللحظات  حانت منه التفاته  إلى أحد  الشاشات، فقد لمح شيء يتحرك في إحداهما  شيء لم يستطع أن يتأكد إن كان خيالا أم حقيقة، لذلك بدء يقترب من الشاشات وهو يحاول أن يدقق النظر بها ويقوم بفحصها واحدة بعد الآخر، و لكنه لم يصل الى أي شيئا في النهاية،  فترجع وجلس في  مكانه  وهو يظفر في ارتياح فرغم الملل الذي يشعر به الا أنه لا يرغب في ظهور اي مشاكل وخاصة أن هذا هو أول يوم له بالعمل، ولم تمر لحظات الا و لاحت  له  نفس الحركة مرة اخرى و لكنها كانت أوضح هذه المرة، فاقترب من الشاشات يدقق النظر في الفراغ الواسع  امامه،  حيث وجد ان كل الكاميرات ساكنه ولا توجد بها  اي حركه، لذلك قرر أن  يقترب بوجهه من احدى الشاشات أكثر، و هو يحاول أن ينظر إلى مدخل أحد القطاعات في المصنع التي بها العديد من الأجهزة الضخمة ،  و فجأة وبدون أي مقدمات ظهر  أمامه  وجه مسخ،  ففزع وتراجع مصعوقا للخلف حتى انه ارتطم بالكرسي لكي ينقلب رأسا على عقب ويسقط على الارض  و هو  يشعر  بارتفاع  دقات قلبه  الذي كاد ان يتوقف ، كما أحس أن كل جزء في بدنه يرتجف من رهبة الموقف، فقد رأى  وجها  بدون ملامح  وانما له عينين بيضاويتان ينظران اليه وفم تبرز منه اسنان بيضاء،  وراسه يغطيه شعر اسود طويل،  ولدقائق حاول فيها الا ينظر الى الشاشات مره اخرى،  و استعاذ من الشيطان الرجيم وقام من مكانه  بتمهل يحاول ان يلملم شتات نفسه ثم تنهد وبداء يلتفت الى شاشة  المراقبة امامه بخوف شديد  فوجد انها قد أصبحت ساكنه مرة اخرى   دون حركه (  انها اوهام )،   قال لنفسه ذلك مرارا وتكرارا حتى يستطيع ان يكمل عمله، فقد كانت الساعة قد تعدت الواحدة بعد منتصف الليل، فاخرج نفس عميق  محاولا تهدئة نفسة،  ثم جلس على الكرسي وهو يشعر ان اقدامه ترتجفان فلازال  منظر ذلك الوجه المرعب في خياله لم يستطع إزالتها،  ولم تمض الا دقائق على إحساسه بذلك الهدوء الخادع  حتى  سمع  صوت احد الآلات في المصنع وكأن احدا قام بتشغيلها  فقال في نفسه هناك من يمزح معي بالتأكيد،  ولكنه مزاح سخيف فقرر أن يلقنه  درسا قاسيا،  فأخذ  عصا وجدها بأحد أركان الغرفة  ليستخدمها  كسلاح في حالات وجود من ينوي الشر، و  اتجاه إلى خارج غرفة المراقبة، ومنها إلى ساحة المصنع حيث الآلات،  يبحث عن ذلك العابث أي كان، وبدء يتقدم في اتجاه مصدر الصوت، وعندما اقترب من مصدر الصوت  توقفت الآلات   فجأة وبدون مقدمات  مثلما بداءة فجأة، فوقف مكانه ينظر حوله في حيرة من أمره، ثم قرر ان  يتقدم في طريقة ليكمل البحث، وهنا انقطع التيار الكهربائي بدون أنظار ليسود الظلام من حوله لتبدأ يده الممسك بالعصا بالارتجاف وتزيد دقات قلبه، وهنا شعر بحراره شديده تحيط به  من كل اتجاه وكأنه يقف في منتصف غرفة مشتعلة بالنيران، كما لو أن هناك هواء ساخن يتحرك في دائرة حوله،  فبدأ يحاول ان يبحث عن هاتفه المحمول في جيوبه ليستعين بإضاءة الهاتف على هذا السواد من حوله ولكنه لم يجده لكي يتذكر أنه قد تركه في غرفة المراقبة وتزايدة سرعة دقات قلبه بعد ذلك فقد كان هذا  خطأ فادح، حيث أن هذا الظلام الذي يحيط به غير طبيعي، فلا يوجد اي  ضوء ولو بسيط و يشعرك  بأنك قد فقدة  بصرك،  و زاد الأمر سوء عندما بداء يشعر بأنفاس ساخنه عند كتفيه تلفح رقبته،  ولها رائحة تشبه الجيفة،  فحاول الحركة في بطئ و خوف  يحاول أن يتماسك ولا ينهار، ولكنه وجد أن كل اطرافه قد توقفة ولم يعد يتحكم بها،  و اصبح لا يستطيع الحركة، شعر بعجز لا يوصف وقد أقترب من لحظة فقدان الوعي،  و هنا عادت الاضواء فجأه  مره اخرى، ولان عينيه قد اعتادة الظلام فقد احس بوخذ  مؤلمة بهما، و لازال المكان يتوهج بالحرارة من حوله، فقال لنفسه انه الخوف لا شيء اخر  الذي يجعله يتصبب كل هذا العرق، ويجعل قلبه يدق بهذه السرعة فهو يكاد ان يسمع دقات قلبه في اذنيه، لذلك حاول أن يستجمع قواة لكي يتحكم في جسمه الذي بدء  يتحرك معه في بطئ شديد وهو لازال يرتجف، وما ان مشي خطوتين حتى انقطع التيار الكهربائي  مرة اخرى، وزادت حرارة الجو من حوله ثانية، وبدا يغلق عينيه ويفتحها لعله يتأقلم على الظلام فيستطيع ان يرى اي شيء، وكان كل ذلك بل فائدة لازال اللون الاسود هو السائد من حوله،  فقرر ان يجازف ويتحسس طريقه بلا رؤية . وتحرك في حذر شديد لا يدري في أي اتجاه  يمشي، ومرة اخرى سطع الضوء في المكان ولنفس السبب أغمض عينيه التي  تعودت الظلام فقد شعر ببعض الألم فيهم وغلقهم لثواني، وعندما استطاع  فتحهم وتبين له المكان قرر ان يعود لغرفته ولا يجازف مرة أخرى،    ولكن عندما استدار ببطء ليعود الى غرفته، وجد أمامه و على بعد ملليمترات من وجهه نفس الوجه عديم الملامح ذو العينين البيضاويتين  يقترب منه، حاول أن  يصرخ و يصرخ، و لكن  دون فائدة حيث لم يخرج صوته من حنجرته، فقد توقفت الصرخات في حلقه هو فقط من يسمعها داخله، فوقع على الارض يشعر ان جسده قد شل  ولا يستطيع الحركة و هذا الكيان الغريب يقترب منه في بطئ شديد وخطوات ثابتة،  ويتحرك فوقه بشكل تدريجيا ليشعر بنيران حارقه  في كل جزء من جسده يلمسه  ذلك الكيان، حيث ضاع منه صوته و توقف جسده عن الحركة ولكنه لازال يحتفظ بحاسة اللمس التي توصل إلى جسده أحساس الاحتراق، واقترب من وجهه  اكثر واكثر حتى اصبحت  عينيه في مقابل عيني ذلك الكيان،  يشعر بأن قلبه يكاد أن يتوقف عن العمل بين ضلوعة،  ولكن لا حيلة لديه، هنا وصل إليه صوته العميق المرعب يتردد في اذنيه وداخل عقلة قائلا
"  انت التالي "
....  ويعلو صوت المنبه  ف يستيقظ من نومه لينظر في الساعة ليجد انها  الساعة الثامنة صباحا، فتنهد في ارتياح انه كابوس،  فعاد بظهره الى الخلف في هدوء، وهو يستعيد هدوء أنفاسه المتلاحقة  نتيجة لتلك اللحظات المميت،  وبداءة دقات قلبه تعود الى طبيعتها، وهو غارق  في بركة من العرق، على الرغم من  أن شهر يناير يتصف بالبرودة والجو الممطر، وقال لنفسه ان هذا الحلم من تأثير حديث والده له وتحذير شديد اللهجة من الذهاب الى العمل في ذلك المصنع،  وكل القصص التي رواها له عن أشخاص فقدوا في ذلك المكان ولم يعودوا أبداً، وخاصه أن مواعيد عمله  في الليل، ولكنه لم ينصت له، وقد اعتزم  قبول تلك  الوظيفة،  وذلك بسبب  راتبها المغري جدا، وهو يبحث عن عمل منذ فترة ولم يجد شيء بتلك المميزات،  وهنا عاد صوت  المنبه للمرة الثانية، فأمسك به لكي يغلقه، وهنا لاحظ بعض العلامات السوداء  على يده فانتفض من الرعب جالسا في مكانه  وهو يدقق النظر الى باقي جسده حيث انه وجد أجزاء عديد  من جسده بها نفس العلامات،  وهي علامة اقرب للحروق ولكن لونها الاسود الغريب جعله  يسرع الى الحمام ليقوم بغسلها ويتأكد من حقيقتها،  وفي طريقه قابل والدته التي كانت تحمل الشاي لوالده الذي كان يجلس في الردهة يتناول طعام الافطار وينظر اليه نظرات هو وحده الذي يعرف ما يقصده وقالت له والدته معاتبه 
 
" طالما عندك معاد مهم سهرت لمتأخر ليه..  ؟؟؟؟ "
لم يرد عليها فقالت وهو يغلق باب الحمام
" تعال افطر مع ابوك "
لم يعقب عليها ولكنه سمع والده يقول
" سيبك منه ده عيل دماغه ناشفه "
ففتح  باب الحمام وهو ينظر إليهم مصدوما، لتعود اليه تفاصيل بداية ذلك الكابوس ومع كل لحظة يسترجع معها كل مشاعر الرعب التي اختبرها ولمست يديه الحروق التي لم تزيلها المياة  فشعر بالأم لم يشعر بها لحظة استيقاظه من النوم، وهنا تأكد لديه إحساس كبير بواقعية ذلك  الحلم، حيث لم تكن تلك تجربته الأول التي يمر بها خلال  الأحلام التي تتحقق بكل تفصيل بها، فقد حدثت له الكثير منها على مدار حياته الماضي ولكن لم يكن بها مثلا ذلك الكابوس المؤلم، لذلك  يعد الأول من نوعه بالنسبة له و دائما هناك مرة أول لكل شيء في الحياة،  و بكل الرعب في هذا العالم والذي تجمع داخل صدره، اتجه إلى المكان الذي يجلس به  والديه  ،  محاولا ان يتصنع الهدوء  وأن لا يظهر عليه التوتر ولم ينطق باي كلمة فقد  قرر انه لن يذهب الى تلك الوظيفة، حيث أعتبر كل تلك الأحداث تحذير قوي له لا يمكن تجاهله. 
استقر محمد في المكان الذي يجلس به والده ليتناول معهم الإفطار، حيث ساد الصمت بينهما لبعض الدقائق حتى بدأت والدته الحديث  قائله في هدوء
" ياله  يا ابني خلص اكل عشان تلحق معادك "
نظر لها ثم نظر لوالده ينتظر منه  تعليقا، ولكنه لم يتحدث فأجابها و الكلمات تخرج منه متقطعة  من بين شفتيه:
" لا ...  ماهو ...  انا مش رايح الشغلانه دي رجعت في كلامي  "
ونظر إلى أسفل دون أن يضيف أي كلمة، ينتظر رد فعلهم، وكانت  الصدمة من نصيب والدته التي  تساءلت  باستغراب
" ليه يا عماد بس ؟؟؟؟ "
فنظر الى والده مرة أخرى يبحث بين نظراته عن ما يشجعه وقال وهو يحاول إخفاء  تردده فلا زال يرغب في تلك الوظيفة
" كده وخلاص يا ماما ... "
هنا تدخل والده الاستاذ حسين ومن الواضح انه كان ينتظر هذا القرار بفارغ الصبر
" اخيرا  اقتنعت ؟؟!! "
نظرت له والدته  وقالت وهي غير راضية عن ما يحدث
" ايه ده يا حسين هو انت عجبك قعدته من غير شغل ؟؟؟ "
فأجابها حسين بكل هدوء وهو يكمل طعامه:
" بكره يلاقي شغل احسن منه "
بدء  الغضب يظهر في كلمات والدته
" أحسن منه في ايه ده مرتب الشغلانه دي احسن من مرتبك قبل ما تطلع على المعاش "
تنهد حسين وقد نفذ صبره
" هو ده كل اللي يهمك في الموضوع  بكره ربنا يرزقه شغلانه  احسن منها "

زوهريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن