عندما نتطرق في حياتنا هذه الأيام إلى مصطلح الغزو الفكري فنحن لا نتحدث عن موضوع صغير أو مصطلح عابر، بل هي فعلا من المسائل الضخمة التي لا بد من إثارة الجدل حولها، وبالاخص هنا، في عالمنا نحن محبي وسائل التواصل، الذين آثرنا -جزء كبير منا- التواصل الرقمي على التواصل الوجاهي. ولكن هذا لا يعني ان الغزو الفكري لا يطال الجانب الآخر من الناس، بل هو يفعل، وبشكل كبير ايضا.
سيتساءل البعض: 《إن هذا الموضوع كبير جدا يا عيسى، ونحن نحيط بأغلبه، ما الذي اتيت لتقدمه لنا الآن》
أقول، يا اخواتي وإخوتي، نحن كثيرا ما نعلم الكثير، ولكننا كثيرا ما نغفل عما نعرفه. لذا انا اليوم آت لكي اجعلكم تنتبهون لشيء تعلمونه في الأصل.
سنبدا بالقصة التالية:
قام فيل لاوري بقرع باب رئيس الشركة، ودخل عليه على عجل وقد كان منهمكا في ترتيب الأوراق بين يديه، ثم ادى التحية وجلس قائلا:
《لقد قمت بتصميم أربعة أزياء جديدة، يا سيدي، كما طلبت مني بالضبط. ولكن المشكلة يا سيدي، أننا نخاطر بالخطوات التي اتخذتها مخاطرة بالغة》.
أخرج السيد سيجاره من فمه، ونفث الدخان من فمه وانفه وراقبه وهو يطفو في الهواء حتى تلاشى تماما، ثم اضاف برباطة جأش:
《نحن نعرف هذا، يا لاوري، ولكن الخطر محدق بنا من جهتين، وانا لأفضل تصميم هذه الملابس على عدم تصميمها. من يعلم ما قد يحل بنا إن لم نفعل》.
لاوري: صحيح يا سيدي، وإني لأجد نفسي مكرها على قول أنك على حق. وكلانا لا يحب ما يفعل، لكن الآمال معلقة علي، لذلك قمت بتصميم هذه الأزياء الأربعة:
الزي الأول: فستان نسائي ضيق شبه شفاف.
الزي الثاني: قميص أسود كتبت عليه جمل تدعم المجتمع الشاذ جنسيا وعلى الكتف الأيسر طبع علمهم الملون.
الزي الثالث: رسمت عليه رسومات مهينة لله والنبي والإسلام. -اعتبر أيها القارئ، ان لاوري قام بوصف تلك الرسومات، ولكنني ككاتب مسلم، لا أسمح لنفسي ان أكتب وصفا يهين الله ورسوله (حاشاهم الإهانة)-
الزي الرابع: قميص نسائي كتبت عليه ألفاظ مثيرة.
تصفح الرئيس الأوراق الموجودة امامه بينما يصغي إلى وصف عامله بانتباه، ثم رمى الاوراق من يده ورفع سماعة هاتفه، ثم أشار إلى لاوري آمرا إياه:
《غدا يجب أن تصل الكمية المطلوبة من القماش من اجل تجهيز الدفعة الأولى من هذه التصميمات الأربعة. اميريكا تتغير، وعلينا أن نواكب مستجداتها حتى لا نخسر السوق، فكما تعلم، نحن هنا من كبار الشركات، وعلينا أن نرضي الجميع》.
وحصل كما أمر المدير. خلال أسابيع كانت الأسواق الأميريكية تغص بهذه التصميمات، حتى لقد اقتدت بعض الشركات الاخرى بتلك الشركة، وقامت بإصدار تصاميم مشابهة لتلك الأزياء، ولربما كانت مختلفة في شكلها، ولكن هدفها ومضمونها كان ذاته. لاقت هذه الأزياء رواجا كبيرا في الجمهور الاميريكي، وخصوصا من داعمي المثلية والطائفية، والنساء غير الشريفات، وقد اصبحت موضة دارجة في اميريكا.
وفي داخل إحدى تلك المحلات، مشى المغترب سميح في ارجاء المحل يتأمل الأزياء. وسميح هذا، هو رجل عربي (لن اذكر بلدا فانا لا أريد حساسيات)، كان قد انقلب ليرى الثقافة الغربية شيئا طبيعيا لا يشوبه شائبة، وهو في الحقيقة عكس ذلك تماما، خاصة بالنسبة للعرب. ولكن من يعاشر قوما يصبح منهم.
بعد ان رأى سميح رواج هذه الازياء، قرر ان يشري لنفسه عددا منها، ويأخذها كهدايا لأصدقائه واقربائه في بلاده عند زيارة بلاده، راميا كل المبادئ والشعبيات في تلك البلاد بعيدا عن عين الاعتبار. وهكذا، اشترى الكثير والكثير من هذه الأزياء، وحملها معه متجها إلى بلاده، حيث وزعها على معارفه. وكان مثل سميح هذا الكثير من الناس، المغتربون الذين ادخلوا هذه الأزياء إلى بلدانهم، وكما ان بعض الذين انغمسوا انغماسا تاما في العالم الرقمي بدؤوا يطلبون تلك الأزياء مباشرة من الخارج، حتى تصلهم إلى عقل دارهم.
وهكذا انتقلت الملابس حتى أصبحت موضة ليس فقط في الغرب، بل في بلادنا العربية أيضا، وأصبحت أسواقنا تغص بها كما تغص أسواق الخارج، فقد قام التجار العرب بطلب هذه الملابس لتبيعها في البلاد بعدما رأت رواجها في صفوف المجتمع، وبالاخص، الشباب نضري العود.
راح احد العجائز يراقب هذه المشهد مغموما، رجال ونساء ترتدي ازياء تمحو أصلهم ومبدأهم، عروبتهم وشهامتهم، واستبدلاتها بقلة شرف ودناوة نفس، وقال بصوت مكسور: 《حقا، ليس الغرب هو من يغزونا》.
-------------------
اخبراني يا أخي واختي القارئة، ماذا قصد العجوز بكلماته تلك؟ وهل هو محق فيما قال؟
أرجو منكم التفاعل مع هذا السؤال، وإن شاء الله يوفقنا إلى تباين في وجهات النظر حتى نحصل على نقاش هادئ هادف مثير. :)
وفي الختام اعتذر لكم عن رداءة أسلوب الكتابة، ولكنني انقطعت عنها لدرجة اني كدت انسى كيف اكتب.
ودمتم في رعاية الله وحفظه
