وقفت كارين بعد ظهر اليوم التالي أمام البحيرة تراقب البط السابح فيها، كانت الغيوم تتلبد فوق رؤوس الجبال و الريح تهب من الجنوب باردة رطبة منذرة بميلاد أبيض سيحل بعد يومين .
انتقلت أفكارها إلى برايان ذي الوجه الذي غدا وسيماً لكنه مع ذلك بقي منطوياً على ذاته، و لولا حبها العميق له لعاملته كما يعاملها بإهمال و انطواء، اعتقدت أن حبها سيبقي هذا الزواج حياً، لكنها علمت علم اليقين أنه لن يلبث أن يتخلى عنها، و لعل ذلك يكون نجاة لها من هذا الجحيم .
لم تلمس إلى الآن الأثر الأخير من الجرح عند زاوية فمه كما لم تلمس الأثر الذي تركته معالجة الجلد، لم يكن قد ذكر لودي قط، لكنه قد طبع اسمها بحروف سوداء أصبحت بينهما فاصلاً لا يمكن قطعه .
لقد التأم جرحه تماماً و هو يحلق لحيته كل يوم مستخدماً بعد الحلاقة العطر الذي تفضله .
تابعت مع ألسي قطع آخر خطوات إلى المنزل، لما وصلت إلى الشرفة المسقوفة رمت سترتها ثم خلعت حذاءها لتركض بعد ذلك باتجاه غرفة جلوس برايان التي كان بابها مشقوقاً، و دون أن تقرع الباب دخلت و هي تمشي فوق السجاد السميك، فتحت فمها لتناديه لكنها توقفت و قد جمدت فيها كل ذرة من الحياة بعد أن رأت أمامها هذا المنظر الذي سيبقى محفوراً بخطوط من نار في مخيلتها : برايان يحني رأسه فوق رأس لودي الأسود معانقاً و قد غاب عنهما ما يدور حولهما .
فكرت : لم يقبلني منذ العملية ... و ها هي الآن تفهم سبب رفضه معانقتها البارحة، إن شكّت في رغبة لودي في العودة إليه الآن فما تراه الآن ينفي أي شك و يعطيها الإجابة .
تركت الباب كما وجدته مفتوحاً، و عادت إلى حيث أتت من الشرفة المسقوفة، انتعلت حذاءها ثم ركضت مسرعة نحو الإسطبل فالطقس لم يعد بارداً بل كل الحياة لم تعد كما كانت .
شمس العصر الضعيفة التي قاومت بشق النفس لتبقى طوال النهار، اختفت ليعم الظلام الجزئي الإسطبل، تعجبت من هذا النور الذي تراءى لها فكيف تسللت الشمس من بين الغيوم السوداء لتصل بشعاعها إلى الإسطبل، لكنها في الوقت نفسه سمعت نباحاً خفيفاً يخرج من حنجرة ألسي، أعادت النظر من جديد إلى الضوء الذي ارتفع فوق الجدار و قد تصلب جسدها لما رأت .
ـــ النار ! يا إلهي ..!
ركضت نحو الباب، فلمست الخشب بيدها فإذا به ساخناً، ابتعدت منتفضة و راح عقلها يفكر بدروس مكافحة النار التي تلقتها في المدرسة ... جدي مخرجاً ... و مطافيء النار ... دون ذعر، و لا تفتحي الأبواب التي تبدو ساخنة، ماذا قال لها كوري ؟ ليس هناك أسوأ من الحريق بوجود الحيوانات ... «السوداء» ... في أي غرفة هي ؟ لماذا لم يعمل نظام الإطفاء الآلي ؟ لقد قال كوري إن المفتاح اليدوي للنظام موجود خارج البناء، و لكن في أية جهة من المكان الموجود فيه الآن ؟
أنت تقرأ
ليل المرايا // روايات أحلام
Romanceالملخص : «هل تتصور أنك لم ترى يوماً ألوان الازهار أو البيوت أو الثياب أو أنك لا تعرف معنى «السماء الزرقاء» لأنك لا تعرف ما هو اللون الأزرق ؟ أنا أعتبر نفسي محظوظة لأنني تمتعت بنعمة البصر خمسة و عشرين عاماً و كنت قبل ذلك لا أشعر بهذه الهبة التي أغدقه...