ها قد عاد الشتاء حامل معه ذكريات ومواقف وأحلام وحب وحنين....اليوم هو يوم عطلتي...فقد افقت مبكراً على صوت صراخ ابناء اختي الصغار التي أتت لزيارتنا اليوم...رميت الغطاء عني منزعجة أقول:اوف يا الواحد مابيقدر ينام ساعة بهالبيت...وقفت على قدماي وتوجهت نحو النافذة اتأمل قطرات المطر التي كانت تزين النافذة..فإبتسم مجدداً وأحسست بالطاقة والحيوية في جسدي...اسندت ظهري على النافذة ووضعت ذراعاي خلف جسدي ورفعت رأسي مغمضة اجفاني مبتسمة ومتفائلة بنهاري الجديد....غيرت ملابسي وخرجت من غرفتي لأرى امي جالسة مع اختي تثرثران بصوت منخفض بأمر ما...ربما كانت تشكو لها عن زوجها....القيت التحية عليهما وقبلت الصغار..نظرت الى امي وأملت رأسي قليلاً..وقلت لها:ارغب في زيارة صديقتي سارة فإنها غاضبة مني بسبب رفضي المتكرر لزيارتها في منزلها ووضع اعزار بأنني منشغلة في عملي
فقالت أمي بإعتراض:لا..تناولي فطورك اولاً
_ اقتربت منها وقبلتها وقلت لها:لن اتأخر سأتناول الفطور حال ما اعود.....ثم حملت حقيبتي وخرجت.في الحقيقة انا لا أرغب بالذهاب الى منزل سارة فهي ثرثارة للغاية....وأرغب في أخذ قسط من الراحة والهدوء بعد اسبوع من العمل والتعب والضغوطات العائلية.
-مشيت تحت قطرات المطر المتساقطة من تلك السحاب...كانت تنهمر على الرصيف وتعزف اجمل معزوفة على الإطلاق.-عليّ ان اسرع قبل ان ينهمر المطر بغزارة وتتبلل ملابسي...الطقس اصبح باردا وأصابعي بدأت تتجمد...دخلت بعدها الى اقرب مقهى..كان المقهى خالي تماماً من الناس...جلست على طاولة قريبة من زجاج المقهى وطلبت من النادل احضار فنجان قهوة وجلست اراقب من الزجاج المارين في الشارع الهاربين من الأمطار الى ان احضر النادل فنجان القهوة....بدأ يتساقط المطر بغزارة على الزجاج مشوهاً ماكنت اشاهده من خلاله.....ارتشفت اول رشفة وأحسست بأنها أخذتني لدنيا أُخرى..تلك القهوة هي نخب العشاق ولقاء الأحباء وعزاء الحزانى...من اجمل من تشتت همك وتزيل تعبك وصداع رأسك...هذه القهوة هي الخمر الوحيد المحلل...رشفة من فنجان قهوة كفيلة بأن تبدد ظلامك الداخلي وبؤسك الكامن في صدرك وعطشك للسكينة...فنجان قهوتي ومطراً على الشباك من احب الأشياء الى قلبي ولايوجد ثالث لهما ...هل يمكن ان يكون هناك ثالث؟!...لا لاأعتقد.
-قطع شرودي صوتاً اجش قائلا:هي الطاولة الي
فنظرت لأرى شاب بجسد ضخم وعضلات مفتولة..ببشرة قمحية وعينان حادتان سوداويتان...يضع يداه على طاولتي وينظر لي بإنزعاج.
فقلت:عفوا؟؟فوقف متكتفاً ومن ثم مرر اصابع يداه بين خصلات شعره السوداء الحريرية ونظر من حوله..ثم اعاد النظر في عيناي وقال:الطاولة الي...خدي فنجانك وروحي على اي طاولة تانية.
-بس انا جيت قبلك لهون..بعدين شوف الطاولات كلها فاضية
-فوضع يداه في جيب سترته وقال:بس انا مابدي غير هالطاولة
-نظرت له بإزدراء وقلت:هه..وانا مارح اتحرك من هون
-فحمل فنجان قهوتي ووضعه على طاولة اخرى وعاد الي وهو يشير الى الطاولة التي وضع عليها فنجاني قائلاً:هيا اذهبي
-وقفت على قدماي ووجهت سبابتي نحو وجهه اقول:بتعرف انك واحد بلا ادب وبلا احترام كمان..لك لعمى على هالوقاحة ..لئيييم
-وهو كان واقفاً امامي بغرور مبتسماً لايبالي.
فحملت حقيبتي بإنزعاج وغادرت المقهى...ومررت من جانب الزجاج لألمحه جالس يتناول فنجان القهوة بإنتصار...فغادرت مسرعة امشي في طرقات المدينة تحت قطرات المطر الخفيفة والنسمات الباردة...فسمعت صوت دراجة نارية خلفي وكان يقترب الصوت أكثر فأكثر..الى مر ذالك الشخص الذي يسوق الدراجة بأعلى سرعة من جانبي...فتبللت ثيابي بماء الحفر المتسخة بسبب فعلته هذه...فبدأت اشتمه واتذمر قائلة:ماهذا اليوم التعيس...مرت لحظات وسمعت صوت تصادم قوي...ركضت الى الأمام مسرعة وانعكفت في ممر الشارع القريب الذي اتى منه الصوت...لأرى تلك الدراجة النارية محطمة وشاب بالقرب منها يبدو بأنه قد اغمى عليه وكانت الدماء قد غطت ملامحه...اقتربت منه وأخرجت مناديل من حقيبتي وبدأت امسح له جبينه ووجهه من الدماء التي غطته تماما...ليتبين لي انه الشاب نفسه الذي قام بإزعاجي وأخذ طاولتي رغماً عني...توقفت عن مسح وجهه منصدمة واصابتني الحيرة بين مساعدته او تركه يموت
-لا لن ادعه يموت مهما كانت فعلته...لن يطاوعني فؤادي
بدأ قلبي يخفق بسرعة خوفاً من وهلة هذا المنظر وهذا الموقف
تساقطت علينا الأمطار بغزارة وبدأت الدماء تملأ المكان وثيابي ايضاً..حاولت الأبتعاد عنه واخراج هاتفي المحمول لطلب الأسعاف...فأمسك يدي بقوة وكأنه يقول لي لاتدعيني أموت وتذهبي..فأفلتها بهدوء واتصلت بالأسعاف على الفور.
