الفصل السادس والعشرون

1.4K 44 0
                                    





الفصل السادس والعشرين


أحس عصام بالشفقة والعطف على هديل التي بدت في غاية الهشاشة وهي تحدق به بعينيها الواسعتين .. تبدو أصغر بكثير من سنوات عمرها الست والعشرين ... شعرها العسلي مرفوع على شكل كعكة لم تساهم إطلاقا في إخفاء ارتباكها وضعفها الواضحين .. قال بلطف :- أرى من نظرة عينيك الحزينة أنك كنت على علم مسبق بمشاعره ... اسمعي ... أنا لا ألومك على خوفك ... ترددك وارتباكك .. في الواقع .. أنا أعرف معنى ألا يتمكن الشخص من الثقة بغيره .. أو بنفسه ..
عندما لم تقل شيئا تابع بهدوء :- دعيني أخبرك بهذه القصة عن نفسي يا هديل ... لفترة من حياتي كنت .... كنت مختلفا عما أنا عليه الآن ... أظن هذا على الأقل ...
أراد أن يضحك عندما هتف هاجس داخله ( هل أنت متأكد بأنك مختلف حقا ؟ )
:- لقد كنت ضائعا .... مطعونا في الصميم من أشخاص كان من المفترض بهم أن يكونوا مقربين مني ... كل منا لديه تاريخه الأسود يا هديل .. ذلك الجانب من حياته الذي لا يعرفه أحد ... إلا أنه يؤثر في حياته بشكل تام فتبنى جميع ردود أفعاله على ذلك الماضي ... ذات يوم ... تغيرت حياتي مرة واحدة عندما أطلت فتاة صغيرة في المقهى الذي كنت أعمل نادلا فيه خلال سنتي الجامعية الأخيرة ... طفلة في الثالثة عشرة من عمرها ... خطت بين الطاولات لتختار واحدة مميزة وكأنها تمتلك المكان كله ... جذبتني بطريقة لم أفهمها .. شعرها البني .. عينيها الداكنتين ... الطريقة التي كانت تنظر من خلالها نحوي ... عندما اتجهت إليها لأسألها عما تريد .. قالت لي ببساطة بأنها تريدني أنا ... وعندما اجبتها ضاحكا بأنني لست مسجلا ضمن قائمة الطعام .. قالت بأن اسمي يجب أن يكون مسجلا ضمن قائمة أفراد عائلتها على اعتبار أنني شقيقها الأكبر من والدها .... تلك الفتاة ... كانت أمان ... وكانت تلك المرة الأولى التي أقابلها فيها ..
لم تعرف هديل قط بأن أمان وعصام شقيقين .... لقد لاحظت بالتأكيد متانة علاقتهما حتى أن الجميع قد ظنوا لفترة طويلة بأن مشاعر عاطفية عميقة تربط بينهما ... أدركت حينها بأن أي منهم لم ينظر حقا إلى عصام المهدي ... لم ينظر إلى جروحه غير المرئية التي كانت بطريقة ما حافزا له لمساعدتها هي والأخريات ..
هز رأسه قائلا :- لم أكن مستعدا للقائها ... لقد كنت أعرف بوجودها طبعا إلا أنني لم أفكر قط برؤيتها شخصيا ... هي كانت أكثر شجاعة وقوة مني رغم صغر سنها .. لقد سمعت والديها يتحدثان عني صدفة .. فذهبت إلى أبيها وسألته مباشرة مطالبة بمعرفة كل شيء عني .. ثم وخلال أيام كانت واقفة أمامي .. الوقت لم يكن مناسبا إطلاقا بالنسبة لي كي أجد نفسي في مواجهة أخت صغيرة لم أفكر بها مطلقا .. لقد كنت أمر في مرحلة صعبة ... لقد كرهت نفسي خلال تلك الفترة .. احتقرتها .. لقد كنت عديم الثقة في نفسي وفي الآخرين .. حتى دخل جواد يوما الغرفة التي كنت أقيم بها ليشهد لحظة انهيار نادرة كنت أعاني منها ... والده كان قد توفي لتوه .. وكان قد وجد نفسه فجأة مسؤولا عن امبراطورية كاملة ... الأحمال أثقلت كتفيه .. إلا أنها لم تمنعه من أن يمسك بي ويهزني بقوة بكلماته ... قال لي صراحة بأنني غبي لأنني أنظر دائما إلى النصف الفارغ من الكوب .. بأنني لا أرى في وجود أخت صغيرة هبة تدفعني لأن أكون شخصا أفضل لأجلها .. بأنني لا أعرف قيمة الحرية التي أتمتع بها بحيث أستخدمها بطريقة صحيحة .. كلماته كانت كدلو من الماء البارد انصب فوقي في أبرد أيام الشتاء ... منذ ذلك اليوم ... أنا شخص آخر .. من المبالغة أن أقول بأنه المسؤول عن تغيري ... إلا أنه كان دائما أحد دعائم حياتي رغم أن كل ما كنت أقابل دعمه به هو الرفض ...
نظر إلى عينيها قائلا :- جواد من ذلك النوع من الرجال الذي سيكون عليك تجاوز مظهره الخارجي ... وأفعاله التي يتعمد استفزاز الآخرين من خلالها كي تصلي إلى اللب فتعرفي معدنه الحقيقي ..
حدقت به وهي ترى صورة جواد أمام عينيها وهو يهتم بها ... يطبخ لها .. يدافع عنها أمام والدته .. يعترف لها بحبه .. أحست بأنها ضائعة بين ماضي شوه رؤيتها للعالم من حولها .. وواقع لمسته بيديها فضيعته بنفسها ... أدرك عصام بأنه قد منح هديل ما يكفي لتفكر به فقال برفق :- عن تلك الشطائر التي تشتهينها ... أنا أدعوك أنت والفتيات إلى العشاء اليوم ... سأعد الشطائر بنفسي .. وسنأكلها فوق السطح هذا المساء ..
هزت رسها موافقة دون أن تقول شيئا ... إذ أن شهيتها للشطيرةالمنتظرة .... اختفت تماما ..




تبكيك اوراق الخريف الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول للكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن