الفصل الثامن عشر

1.5K 42 2
                                    




الفصل الثامن عشر




:- أيها السيد ... انتظر .. لا تستطيع الدخول بهذه الطريقة
كان جواد يتحدث هاتفيا عندما اقتحم عصام مكتبه في حين لحقت به السكرتيرة شبه مذعورة من هجومه المفاجيء ... وقف جواد وهو ينهي المكالمة .. فلم يمهله عصام ليقول شيئا .. إذ هوت قبضته بدون مقدمات على فك جواد تكاد ترميه أرضا لولا أن تمكن من استعادة توازنه بسرعة ... أمسك عصام تلابيب قميصه وهو يدفعه حتى التصق ظهره بالجدار .. عيناه تنفثان شررا وقد احتقن وجهه فبدت رغبته في الانهيال ضربا على جواد واضحة وهو يقول :- سأقتلك ... أقسم بأنني سأقتلك ..
لم يبد أي تأثر على جواد الذي تجاهل حقيقة إمساك عصام المهدد به .. ووقوف سكرتيرته الشابة مذهولة أمام الباب وهي ترى رئيسها يضرب في مكتبه .. مد يده يمسح خيط الدماء الذي سال من شفته المشقوقة وهو يقول ساخرا :- لا تطلق أقساما لا تنوي الالتزام بها يا عصام ... لقد كنت أنتظر زيارتك .. وإن كنت أتوقع أن تكون أقل درامية بعض الشيء ..
جذبه عصام من حيث كان يمسك به .. ليعود فيضربه بالجدار وهو يقول بصوت خشن :- لماذا ؟؟؟ أخبرني لماذا وضعتها في طريقي لأشفيها إن كنت تنوي أن تجرحها مجددا ؟؟ هديل لا تستحق أبدا ما تفعله بها يا جواد .. كل ما كان عليك فعله هو تركها في حالها .. أنت لا تعاني من نقص في الصحبة النسائية ... لماذا هي يا جواد ؟؟ لماذا ؟؟
اختفى التهكم مرة واحدة من وجه جواد .... واطلت من عينيه نظرة ذكرت عصام بأن جواد أكثر من قادر على منازلته جسديا ........ إن أراد .. قال جواد بصوت أجش :- لأنني أحبها ..
ساد الصمت للحظات لم يخترقها سوى صوت باب مكتبه يغلق من جديد بهدوء ... كان كل منهما ينظر إلى عيني الآخر وكأنه يحاول اختراقه والوصول إلى أعماقه .. قبل أن يقول عصام :- أنا لا أصدقك ..
حرر جواد من قبضته .. وتراجع إلى الوراء ليتمكن جواد من رؤية التعب .. الغضب .. والمرارة في وجهه وهو يقول :- رجل مثلك ... لا يعرف ما هو الحب يا جواد .. أنت اعتدت على العبث بقلوب النساء ... اللهو بأجسادهن .. وأرواحهن وكأنهن دمى مخصصة لتسليتك ... إلا أنهن دائما كن يعرفن مكانهن في حياتك .. يعرفن بأنهن أبدا لن يكن أكثر من محطة عابرة تفرغ فيها عقدك وجنونك .. هديل مختلفة .. ولا تستحق منك معاملة مماثلة ..
كرر جواد ضاغطا على حروفه وهو يعتدل :- أنا .. أحبها
هتف به عصام مزمجرا :- أنا ... لا ... أصدقك ..
لوهلة ... ظهر الإرهاق جليا على وجه جواد الذي لم يره عصام منذ فترة .. لاحظ فجأة التغير الذي طرأ على صديقه القديم وغفل هو عنه عند دخوله المكتب .. كان يبدو أكثر نحولا بعض الشيء .. ذقنه النامية وعينيه الحمراوين .. أظهرتا قلة ساعات النوم التي حظي بها مؤخرا .. قال جواد بدون تعبير :- كلنا نتغير في مرحلة ما يا عصام .. وأنت الأدرى بذلك ..
تحرك نحو النافذة مديرا لعصام ظهره .. وحدق عبر زجاجها عاجزا عن نسيان آخر ما قالته له هديل هذا الصباح قبل أن يتركها في شقته .. ثم قال مرددا بخفوت :- كلنا نتغير في مرحلة ما ..
قال عصام بجفاف :- هل تقول لي بأنك فجأة أصبحت مستعدا للزواج والاستقرار .. وأن هديل بين جميع النساء كانت المرأة التي تريد ؟؟ هل تقول لي بأنك قد تغيرت فجأة .. هكذا ... بدون مقدمات لمجرد أن امرأة ضعيفة وهشة كهديل قد دخلت حياتك
قال جواد بدون تعير :- ألم تفعل أنت قبل سنوات ؟؟؟ ألم تتغير بين ليلة وضحاها لحظة بسبب لقائك بامرأة بعينها ؟؟
قال عصام بخشونة :- الأمر كان مختلفا
استدار جواد قائلا بسخرية طفيفة :- أنا كنت هناك يا عصام ...أم تراك نسيت ؟؟ ربما كانت أمان مجرد طفلة في ذلك الحين .. إلا أنها غيرت حياتك كاملة ... أتنكر هذا ؟؟
لا .... لا يستطيع ..
تمتم متوترا :- ماذا إن كان ما تشعر به نحو هديل مجرد إحساس بالواجب .. بالحاجة إلى تعويضها عما فعلته بها .. عن التدمير الذي ألحقته بحياتها قبل سنوات يا جواد .. ماذا إن أدركت بعد فترة وجيزة بأنها ليست المرأة التي تريد .. بأنها ليست الأنسب لملأ مكان السيدة حرم جواد الشاطر المحترم ... امرأة مثلها .. عانت كثيرا وظلمت كثيرا .. امرأة وصمها المجتمع بدون حق بسببك أنت ... أنت يا جواد ... سيكون انهيارها حين تفعل أكثر عنفا .. أكثر تدميرا .. وهديل ... هديل أكثر رقة من أن تحتمل هذا يا جواد .. أكثر رقة من أن تحتمل قسوة كهذه
أغمض جواد عينيه وهو يكرر بصوت جعل قلب عصام يرتجف :- أنا أحبها ..
وقف عصام مرتبكا للحظات .. وهو ينظر إلى صديقه وهو يبدو كما لم يره من قبل .. إن قال جواد بأنه يحب هديل فهو يصدقه .. إذ ما كان جواد أبدا من النوع الذي يقول عادة ما لا يعنيه ... ولكن ... ماذا عن هديل ؟؟
قال بجمود :- كيف أقنعتها بالزواج بك ؟؟
تحرك جواد نحو مقعده الجلدي الكبير .. جلس فوقه وهو يمرر يده فوق صفحة وجهه بإرهاق وهو يقول :- هل تشك بقدرتي على إقناعها بصواب زواجها بي ؟؟
قا عصام متشككا :- وهل أقنعتها فعلا ؟؟؟
:- ربما ما زالت تحمل داخلها بعض الشكوك ... إلا أنني سأزيلها كلها ... واحدة واحدة مع الزمن ..
هز عصام رأسه وهو يقول بصرامة :- أحتاج لأن أراها .. لأن أستمع إليها وهي تخبرني بأنك لم ترغمها بطريقة ملتوية لفعل ما تريد .. أنا أعرفك يا جواد .. أنت مستعد لفعل أي شيء .. وانتهاك أي شيء .. للوصول إلى شيء تريده .. وأنا أعرف منذ سنوات بأنك تريد هديل .. لهذا فقط أبقيتها تحت نظري .. لأحميها منك أنت .. العالم كله ... المجتمع كله بقسوته وأحكامه الجائرة في كفة .... وأنت وحدك في كفة أخرى ... ما كان علي منذ البداية تركها تذهب .. كان علي أن أدرك بأنك ستهجم فور تركها الشقة ... بأنك ستفعل أي شيء للحصول عليها ...
لم يقل جواد أي شيء .... إذ ما كان هناك ما يستطيع قوله .. لقد كان عصام محقا
كرر عصام بحزم :- أريد أن أراها جواد ... الآن ...

تبكيك اوراق الخريف الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول للكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن