مختلفين مش متخالفين

325 7 1
                                    

“الطرف” و “الطرف الآخر” هما الزوز أبطال, و هما الزوز رابحين في المقالة هذي اللي كتبتها و أني نتخيل في مجتمع مترابط و متسامح رغم كل الاختلافات. لكن بعيد شوية عن الخيال, لازم نواجهوا الواقع المرير أنه في مجتمعنا مازال يتحول الاختلاف الى خلاف. الخلاف هني يعني أن واحد من الأطراف يتخالف (يقاطع, يتعارك, أو حتى مرات يتقاتل) مع من يخالفه في الرأي, أو في الأفكار, أو حتى في الذوق. المقالة هذي هدفها مش “منع الاختلاف” — بالعكس! تنوع الآراء ظاهرة صحية, و كل حد فينا من حقه يكون مختلف. هذي المقالة هدفها بالأحرى نشر ثقافة “تقبل الاختلاف” الغايبة عن مجتمعنا للأسف. يعني لازم نحترموا آراء و خيارات الناس التانية و ما نديروش معاهم خلافات لأن آرائهم مش ماشية مع جونا أو تتعارض مع مصالحنا. كلام قديم, و مستهلك, و كلنا نعرفوه؟ أوكي! السؤال: هل نطبقوا فيه؟ الغياب الواضح لثقافة تقبل الاختلاف في مجتمعنا هو واحد من الأسباب اللي خلت قطار الحضارة يفوتنا. و طبعا غيابها مش مقتصر عالأحزاب السياسية و الأطراف المتصارعة بس (و متخافوش مش حنقلبها سياسة), بل نلقوه موجود حتى في التعاملات الشخصية اليومية. هلبه ناس ياخذوا في المسألة هذي بتعصب حاد كأنهم عندهم “الحقيقة المطلقة”, و يبوا كلمتهم تمشي عالكل! السلوك هذا يضرهم قبل ما يضر (و يضايق) غيرهم. الناس هذوا لازم يتقبلوا أن محدش فينا رأيه منزه عن الخطأ أو النقصان. لو كل واحد فينا تعصب لرأيه (اللي ممكن يكون غلط), و صكر ودانه باش ما يسمعش رأي الغير ممكن يضيع على نفسه فرصة نادرة لاكتشاف الخطأ متاعه, ناهيك عن الخلافات اللي حتصير نتيجة تعصبه الأعمى لرأيه. طبعا الناس هذوا أكيد ما قروش قول الامام الشافعي (الله يرحمه) “رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”. شفتوا الروح الرياضية و التواضع؟ حتي الرسول محمد (عليه الصلاة و السلام) كان يشاور و يأخذ في الآراء. و فيه غير هكي أدلة هلبة تبين أن المشكلة مش مشكلة دين بل هي مشكلة عادات سيئة متأصلة فينا, و منها عادة تصكير الراس اللي حتزيد تأخرنا تالي لو ما نفيقوش لأرواحنا. اذا كان خلاف فكري بسيط ما قدرناش نحللوه وديا, مالا الخلافات اللي فيها فلوس و أراضي و نفوذ كيف نحللوها؟ نضربوا بعضنا بالميم طاء مثلا؟ هي مش حرب يا تربحني يا نربحك! لا! لازم ديما نحاولوا نشوفوا أبعد من اختلافاتنا, لازم نحاولوا نشوفوا الصواب في كل الآراء, و لازم ندوروا على هدف يوحدنا و يخدم المصلحة الكبرى — و هكي: يكون الكل رابح, و الكل فرحان. الخلاف ما يجيش منه الا التحجر و التخلف و الصراعات, أما تقبل الاختلاف في وجهات النظر و الأفكار يخللي المجتمع يزدهر, و يضيف تنوع على كل أوجه حياتنا. ممكن بعض الناس يظنوا للوهلة الأولى أن حياتنا حتكون أسهل لو كانت آراء الناس و أفكارهم ديما موحدة. ناهيك عن أنه شبه مستحيل تتوحد آراء الناس, الحياة لو مافيهاش تنوع حتصير مملة جدا في نظري. ولا شن رأيكم؟ تخيل أنك تعيش عمرك كله في مكان مطلي بلون واحد و تاكل في نوع واحد من الماكلة و كل يوم تشوف في نفس الناس اللي يقولوا في نفس الكلام. كل شي حيصير (بلغة الكمبيوترات) عبارة عن نسخ-لصق من غيره, و مع الوقت الأصل حيضيع. و اللي ما يحبش وجيج الكمبيوترات نجيبوهاله حتى بلغة الماكلة: مثلا شن اللي مخللي الشرمولة حلوة؟ تنوع المكونات, صح؟ فلفل طماطم بصل خيار شوية نعناع يابس زيت زيتون و ملح. تخيل الشرمولة بصل بس! أو فلفل بس! تخيلتوا؟ أيوة بالضبط! هكي حيكون طعم الحياة في مجتمع ما فيهش تنوع ولا اختلاف. ان شاء الله حيجي اليوم اللي يصير فيه هذا الكلام واقع مش خيال, و يعيش “الطرف” و “الطرف الآخر” مع بعض في تناغم تام. اللي ما يتقبلش الاختلاف حيقعد طول عمره عايش في خلافات مع الناس لأن الناس (بكل بساطة) بطبعهم مختلفين. هل تقدر تغير كل الناس بفرض رأيك عليهم؟ أكيد مش حتقدر مهما تحاول! لكن (و الأصح) هل تقدر تتقبل آرائهم و تناقشهم فيها بكل هدوء و توصلوا لاتفاق وديا؟ أكيد تقدر لو تحاول! و اللي ما يبيش يحاول, ننصحه من توا يدور علي جزيرة نائية يعيش فيها بروحه لأنه مش حيكون ليه مكان في المجتمع اللي كلنا راسمينه في مخيلتنا. 

بقلم محمد الزاوي طرابلس - ليبيا

🎉 لقد انتهيت من قراءة مختلفين مش متخالفين بقلم محمد الزاوي 🎉
مختلفين مش متخالفين بقلم محمد الزاويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن